-A +A
محمد مفتي
لا تزال أصداء الخطاب الذي وجّهه حسن نصر الله بمناسبة ذكرى اغتيال قاسم سليماني قبل عامين تتصدر العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ليس لأهميته وقيمته بل لمدى وقاحته وتدنيه، وذلك بعد أن أصبح نصر الله نفسه مادة للتندر لدى الكثير من الكتّاب والمثقفين، والحقيقة أن مثل هذه الردود على شخص نصر الله نفسه -فضلاً عن مدلولات خطابه- هي واجب مهني في المقام الأول والأخير على كل مواطن غيور على بلده، وأنا على يقين من رغبة الكثيرين في الرد على ترّهات هذا البهلوان الذي يمثّل دمية في مسرح العرائس الخميني، غير أنه ربما لا تتوافر لديهم مهارات التعبير المناسبة ولا منصات النشر الملائمة.

وعلى الرغم من أنني قد سبق وتناولت شخصياً هذا الموضوع في زاويتي بصحيفة عكاظ، إلا أنني ما زلت أجد أن هناك الكثير والكثير مما يمكن أن يقال لتفنيد الأكاذيب المضمرة والخفية في تلك التصريحات، غير أنني قبل أن أبدأ مقالتي توقفت للحظة لتحديد هوية من الذي ستتوجه له هذه السطور، هل ستوجه للنظام الذي يرعى نصر الله وأمثاله، أم لنصر الله نفسه كشخصية إرهابية في المنطقة، وبعد تفكير حزمت أمري وقررت توجيه خطابي لكليهما لكونهما وجهين لعملة واحدة، لا قيمة لها ولا تصرف إلا في بنك الإرهاب الذي أسّسه نظام طهران، ويشرف على إدارته نصر الله وغيره من أزلام النظام الإيراني.


ولكن بدايةً هناك سؤال يحيرني كثيراً، وعلى الرغم من أهميته إلا أنه لم يحظ بالتحليل الكافي ولا بالإجابة الشافية: ما معنى وجود حزب داخل دولة مستقلة، المفترض أن يكون سياسياً ويعمل لخدمة مواطني هذه الدولة، ثم يتحول إلى مليشيا عسكرية تهدد نظام الدولة نفسه، بل ويتجاوز هذا الحزب سياسة تلك الدولة التي ينتمي لها من خلال تدخلاته السافرة في شؤون دول الجوار رغماً عن حكومة بلده، وكيف يقبل نصر الله أن يقود حزباً المفترض أن يعمل لخدمة بلده ولصالح مواطنيه ثم يتلقى أموالاً -بما فيها معدات وآليات عسكرية- تصرف بسخاء على حزبه من دولة أجنبية؟

نصر الله ليس أكثر من قائد لحزب لبناني هو حزب الله (وهو مصنف من قبل العديد من المنظمات الدولية بأنه حزب إرهابي) فبأي حق يملك هذا الأفّاك حق توجيه خطابات ورسائل لحكومات دول أخرى ذات سيادة متجاوزاً حكومة دولته ذاتها، حكومته التي ما فتئت تعلن على استحياء بين حين وآخر أن ما يردده نصر الله لا يعكس الإرادة اللبنانية حكومة وشعباً، فنصر الله حتى في نظر الكثير من اللبنانيين ليس أكثر من قنبلة موقوتة في جسد لبنان الجريح، وسكين في خاصرة دول المنطقة التي تعلم علم اليقين أن نصر الله وحزبه ليس أكثر من أداة للحروب بالوكالة.

كيف يمكن لحزب يُفترض فيه أن يكون مستقلاً ومكرِّساً جهوده لخدمة بلاده ومواطنيه أن يقوم بتجنيد مرتزقة ويدربهم ثم يرسلهم لزعزعة أمن دول الجوار؟ وبأي حق يتناول نصر الله قضية الحوثيين ويناصرهم ويتباكى عليهم وهو نفسه مصنف كإرهابي منبوذ من المجتمع الدولي، بل وحتى من الداخل اللبناني نفسه، وبأي حق يقحم نفسه في القضايا السياسية السيادية التي تمسّ أمن الدول الأخرى وهو نفسه بلا هوية معترف بها دولياً، وبأي حق يخاطب ملوك ورؤساء الدول ويوجه لهم خطاباته وتحذيراته متجاوزاً كل الخطوط الحمراء التي قد تضر ببلاده أشد الضرر.

المملكة العربية السعودية دولة مستقلة عضو مؤسس في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وأخذت على عاتقها حماية أرضها وشعبها ومناصرة الحكومة الشرعية اليمنية بطلب منها ضد أقلية لا هوية لها داخل اليمن وخارجه، أقلية فرضت نفسها على بعض المدن اليمنية من خلال ممارسة الإرهاب الممنهج المخطط له في طهران لفرضها على الشعب اليمني، وخلال حديث نصر الله كان مصطلح الإرهاب طاغياً في كل فقرة من فقرات حديثه، فإن كانت الحكومات الشرعية ذات السيادة التي تدافع عن سيادتها وأمنها إرهابية من وجهة نظر نصر الله، فبماذا يصنف نفسه وحزبه ومموليه إذن؟!

المنهج الإيراني الذي بدأ اتباعه منذ استيلاء الخميني على السلطة في طهران لأكثر من أربعة عقود معروف بتدخلاته هنا وهناك لتحقيق أجندة لا تخفى على الجميع، ومن وجهة نظر طهران فإن أعداء النظام الإيراني الذين يصنفهم كإرهابيين -سواء في داخل إيران أو خارجها- هم كل من يختلف مع فكر وأهداف نظام الخميني التي رسّخها منذ الثمانينات، وهم ثلّة لا تعرف ولا تتبنى إلا الفكر المتشدد المتطرف، وتحضرني في هذا السياق مقولة لأحد زعماء الثورة الإيرانية –عقب نجاح الأخيرة في حكم إيران في العام 1979- عندما انتفض الشارع الإيراني ضد الطاغية الجديد، وقد أعطى النظام وقتذاك تعليماته للقضاة بعد القبض على الكثير من المتظاهرين ضد حكم الخميني مرسّخاً ذلك المبدأ الذي لا يزال سارياً حتى يومنا هذا «هؤلاء المتظاهرون مذنبون في كل الأحوال، استمعوا إلى ما يريدون قوله ثم أعدموهم!».