-A +A
نجيب يماني
أيُّ فيض من المشاعر الجيّاشة ذلك الّذي غمرني في رحاب طيبة الطيبة.. هأنذا في رحلة العودة منها، وخاطري متّقد بالحنين، وقلبي عامر بالمحبّة، كانت الأماني أمامي ترسم البسمة ولسان حالها يردد (إنما القادم أحلى).

كأنّي قد اغتسلت في نهر من الضّياء فأزال كلّ ما علق بقلبي من أدران الخطايا وأوصاب الرزايا.. ألا ما أبرك هذه المدينة وما أطيبها.. وأطيب أهلها وهم يحيطونك بهالة الفرح ويخاطبونك بلغة الجمع (آنستونا وشرفتونا) شوقي إليها غلّاب، أبحث عن كلمات تقارب توصيف هذا الإحساس المورق، والفرح الغامر، والطمأنينة الدافئة، والوجد المعطار.


فلا أحسن غير تمتمات من مكرور الكلام، وعمومة التعبير الذي يقصر عن هذا المقام.. أفتش في ذاكرتي عن بيت شعر شارد، أو منثور كلام منضدٍّ بالوله في حضرة الحبّ السرمدي لطيبة الطيبة، فيسعفني قول الطيب صالح: «ما أجمل الفجر في هذه المدينة. السّماء صافية، وأيادي الحرم النّبويِّ العشر ترتفع في السّماء مضيئة ضوءًا وديعًا لا يُعشي العين كأنّما يجذب إليه خيوط الفجر الطّالع، كما تجذب أصابع ناعمة ثوبًا من الحرير».

ليتك كنت معي ليلة الإثنين الماضي، بهذا القدر من المحبة الفياضة، لتشهد معنا افتتاح مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالمدينة المنوّرة.. لحظة فارقة من عمر الزمان، تعمّق في داخلك كلّ معاني التقدير والمحبّة والولاء لقيادتنا الرشيدة منذ عهد المؤسّس – طيّب الله ثراه- وهي تولي الحرمين الشريفين ما يستحقّانه من الرعاية والاهتمام والعناية

ليتوّج هذا المسعى اليوم، في ظل عهد سلمان العزم وولي العهد مهندس الرؤية وعرّابها، بافتتاح هذا الصرح الطبي الشّامخ.

في الحفل وقف الدكتور الفياض المشرف العام التنفيذي على منصة الفرح لتفيض على الحضور كلمات معاليه واصفة لعظمة الإنجاز، مقررة أن «لدعم سيدي سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان للقطاع الصحي بشكل عام ولمستشفى الملك فيصل التخصّصي ومركز الأبحاث على وجه الخصوص أكبر الأثر في الوصول إلى ما وصلنا إليه من ريادة في القطاع الصحي نفخر بها جميعًا، ونسعى للمزيد تحقيقًا لرؤية المملكة الطموحة».

وانسابت معاني الشكر والامتنان لتنسج بردة الفخر والاعتزاز لأمير المدينة المنورة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان، وقد احتضن الجميع بمحبته.

خاطبه الدكتور الفياض بقوله ما فتئت تذلّل الصّعاب، وتمهّد الطريق لإتمام هذا الصّرح العملاق، وزدت في العطاء كيلاً وافرًا بتخصيص قطعة أرض كبيرة بجوار «تخصصي المدينة» لإنشاء مركز علاج إشعاعي لأهل طيبة الطيبة، عوضًا عن السّفر إلى الرياض وجدة للعلاج هناك،

ثمّ أفاض العطاء جزيلاً بتخصيص مصلّى في غرفة داخل الحرم النّبويّ الشريف ليقوم «التخصصي» على تجهيزها وتهيئتها والإشراف عليها حتى يتمكّن المرضى العاجزين عن مخالطة المصلين بأداء صلواتهم ودعواتهم فيها محاطين بوسائل المراقبة الحيوية، والرعاية الطبية الآمنة

فضلاً عن إنشاء عيادة افتراضية في «تخصصي المدينة» مربوطة بالمسجد النّبويّ الشّريف، تقدّم خدماتها على مدار السّاعة لزوّار مسجد رسول الله، لمثل هذا الصنيع يكون للإشادة معناها، وللوفاء استحقاقه، وللفخر مقامه

وقد كانت اللّحظة كذلك، و«المدينة» تستحق كلّ الخير، والقيادة لا تقصر يدها عن كلّ ما يرفع شأن الحرمين الشريفين، ويوفر أسباب الحياة الكريمة لأهله.

من موقع الاحتفال انداحت دائرة الفرح، ورافقتنا جميعًا موظفي المؤسسة ونحن ندلف إلى المسجد النّبوي الشريف للسّلام على سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

انظر إلى الوجوه الطيبة لأهالي طيبة يكسوها البِشر، والألسن تلهج بالامتنان والثّناء على هذا الإنجاز، والقلوب تدعو خالصة في لحظة لم يخالجني أدنى ريب في أنّ أبواب السماء قد تراحبت بالقبول، والتأمين على الدعاء المطمئن، فتقشعر الأبدان من جمال اللّحظة، وتغرورق العيون بدمع من فيّاض المشاعر الجيّاشة..

خاطري محتشد بما أعجز في التعبير عنه وعزائي أنّ يستشعر القارئ هذه المشاعر في ثنايا ما لم أفصح عنه، فلئن صدق القول بأنه «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، فالراجح عندي أنه «كلما فاض الحب ضاقت العبارة».. فهنيئًا للمدينة المنوّرة بهذا الصرح الصّحي التخصصي وشكر تخالطه بشاشة الاعتزاز والافتخار لقيادتنا الرشيدة على ما تقدمه للقطاع الصحي، وبالذات لمؤسسة التخصصي التي تتمدد مع الأيام لتتعدى حدود الجغرافيا وفواصل التاريخ، ولأمير منطقة المدينة المنورة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن خالد الفيصل، ولإدارة «التخصصي» الكبيرة في رسالتها العظيمة وإنجازاتها ولكل من جعل من «تخصصي المدينة» واقعًا ملموسًا، وحقيقة ماثلة.

الشكر والتقدير للدكتور نزار خليفة مدير عام المستشفى، والدكتور عماد خداوردي المدير الطبي، والأستاذ عبدالعزيز الشريف، والأستاذ فهد البيتي ولكل من شارك في إنجاح وإخراج هذا الحفل الكبير مراعيًا المقام والمكان وراعي الحفل وضيوفه الكرام..

في لفتة وفاء وإخلاص من إدارة المؤسسة كان رجال التخصصي السابقون شهودًا حاضرين على افتتاح هذا الصرح الطبي الشامخ..

سعدت بوجود معالي وزير الصحة رئيس مجلس إدراة المؤسسة سابقًا الدكتور توفيق الربيعة، كما سعدت بلقاء الدكتور أنور الجبرتي، والدكتور قاسم القصبي، وغيرهم ممن أدوا دورهم بإخلاص وأمانة. وهو الأمر الذي مضي عليه «التخصصي» خلال مسيرته ضابطًا مؤشراته على مقياس التميز والتفرد حتى أصبح ركيزة أساسية من ركائز الخدمات الصحية التخصصية في وطننا العزيز.. على واقع الرؤية ستكون هناك افتتاحات ونجاحات وخيرات فنحن في خير وإلى خير بإذن الله.