-A +A
محمد الساعد
تقف قنوات العربية وإم بي سي و«الشرق بلومبيرغ»، وصحف الشرق الأوسط وعرب نيوز و«إندبندت عربية» كمنصات فاعلة لتسويق القوة الناعمة السعودية وإيصال صوتها والدفاع عن سياساتها، وقبل البدء في النقاش أريد أن أؤكد أن المقال لا يسعى للتحقق من قيام هذه المنصات بأهدافها المرسومة لها أم لا! فهذا محله مكان آخر خاصة مع وجود نقاش مفتوح بين النخب والمتابعين على كافة المنصات.

مع مرور أكثر من أربعين عاماً على تأسيس صحيفة الشرق الأوسط وشقيقاتها، ومحطة الإم بي سي وشقيقاتها هناك سؤال يفرض نفسه: هل هذه المنصات كافية للتصدي ونشر المعرفة ووجهة النظر السعودية في الداخل المحلي، والعالم العربي والعالم، أم أن المنصات الداخلية تبقى ضرورة ملحة وحاجة لا يمكن إهمالها والاستغناء عنها؟!


في الحقيقة أن إعلامنا السعودي الموجه للخارج ومنذ أكثر من أربعة عقود يعد الأبرز والأوسع انتشارا، وأدى واجباته في حقول الإعلام بكل كفاءة ولا أدل من ذلك جماهيريته -العربية- وقدرته على التصدي والصمود حتى اليوم، رغم كل السهام التي وجهت إليه والتي تقودها دول تطمح لتجريد السعودية من أسلحتها الإعلامية لتتسيد المشهد الإعلامي العربي والدولي وحتى المحلي.

في الوقت نفسه بقي الإعلام الداخلي يعمل بكفاءة ممتازة، يصنع الرأي العام المحلي الصلب، ويحافظ على التجانس الاجتماعي، ويمرر قيم التحضر، مساندا لكل القضايا الوطنية والمصيرية، فكانا جناحين يتكاملان ولا يتنافران.

الخطير أن المنصات المحسوبة على دول عربية وحتى إقليمية تعيش على قضايانا وتفاصيلنا وهمومنا ولو باضت حمامة على قمة جبل في السروات لطارت بها تلك المنصات، الهدف بالتأكيد جمهورنا ورأيه الذي يريدون اختطافه، وأموالنا الإعلانية التي بها يقتاتون وبها يهاجموننا.

هذه محاولة خطيرة للقيام بوظيفة الإعلام المحلي، وعلينا أن نعي تماما أن هذه الحرب على الشارع السعودي.. أن جميع أعدائنا يتلبسون بلباس الطهارة من أجل السيطرة عليه والتحكم في رأيه وتوجهاته.

خلال حربي الخليج الأولى والثانية والحرب على الإرهاب وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتداعيات الربيع العربي، إضافة إلى الأزمات الإقليمية والدولية، بقي الإعلام المحلي السعودي موثوقا وقادرا على نقل الرأي وصناعة المفاهيم وتوظيفها لصالح الوطن ومستقبله والتصدي للتحديات المصيرية التي كادت تعصف بالمنطقة.

لقد مارست التيارات الفكرية وخاصة تيار الإخوان المسلمين مباشرة أو بالنيابة عن دول يرتبطون بها حربا هائلة ضد دوائر الإعلام المحلي والدولي السعودية للوصول إلى هدف الاغتيال المعنوي وتحطيم مصداقيتها عند الجماهير، قالوا عن الشرق الأوسط «خضراء الدمن»، ووصفوا «عكاظ» و«الرياض» و«اليمامة» بأنها صحف علمانية حداثية، وشبهوا صحيفة «الوطن» بالوثن... إلخ.

لم يكن الهدف إصلاح الإعلام، بل كان من يقف خلف تلك الحملات واعيا أن «السلطة الصحفية» ملتفة حول بلادها وقيادتها، وأن انفراد الخونة بالساحة يتصدى له إعلام وطني بامتياز، ومن أجل ذلك شنت الحروب وكيلت الاتهامات، وأصبح الإعلام المتهم الأول في كل شيء من أجل إبقاء الأرض رخوة والسيولة القائمة ضد الدولة ومن يمثلها ويوصل صوتها.

اليوم وبعد ضمور الإعلام الورقي، وما صاحب ذلك من مصاعب اقتصادية أصابت سوق الإعلان، إما بسبب التقنية الجديدة أو بسبب جائحة كورونا التي تكاد تكون الرصاصة الأخيرة في حياة الإعلام، يقفز في وجوهنا جميعا قراء وصانعي محتوى ومسؤولين عن الإعلام: هل من المصلحة البقاء على المنصات الدولية فقط، أم من المهم أيضا الالتفات للمنصات الداخلية ودعم صناع الرأي العام، وهم هنا الإعلام المحلي من صحف ومنصات وكتّاب، وهل سننتظر حتى يقضي إعلامنا المحلي نحبه وتحل مكانه قنوات وصحف وكتاب لا يشبهوننا ولا نشبههم.