-A +A
بشرى فيصل السباعي
لو كنت تملك مفتاحا لباب أو تعرف كيف تصنع مفتاحا له هل كنت ستشعر أنك مضطر لكسر الباب؟

لو كنت تعرف أنه يمكنك فتح الظرف دون تمزيقه بتمريره على بخار ماء يغلي ليميع الغراء وينفك التصاق الظرف دون تمزيقه، هل كنت ستشعر بالحاجة لتمزيق الظرف؟


لو كنت تعلم أنه يمكنك جعل الخاتم الضيق ينزلق ويخرج بسهولة عبر دهن زيت، هل كنت ستشعر بالحاجة لقصه؟

الجواب بالطبع لا، فالإنسان إن عرف الطريقة الصحيحة لفعل أي شيء وحل أي أمر مستعصٍ فهو لن يشعر بالحاجة للوسائل العنيفة، فالعنف هو الوسيلة التي يستعملها الشخص عندما يكون جاهلا بطرق السلوك الصحيح اللازم لتحقيق مراده: ولذا الجهل أصل كل الشرور الخاصة والعامة، والشر هو تعمد لإيقاع العنف المادي والمعنوي على الآخرين، وهذه هي النظرية الإسلامية عن أصل الشر، التي تختلف جذريا عن نظرية الشر بالأديان الأخرى والقائمة على فكرة الخطيئة الموروثة فرديا أو جماعيا، بينما الإسلام اعتبر الجهل الجوهري هو سبب الشر؛ ولذا رمز الشر الأكبر بالإسلام عمرو بن هشام لقب بـ«أبوجهل» في دلالة على تفسير المسلمين لسبب شره الشنيع الذي وصل لدرجة تعذيب المسلمين حتى الموت وقتل أول شهيدة بالإسلام سمية بنت خياط بيده وهي تحت التعذيب، (إنما يخشى الله من عباده العلماء)؛ لذا كل عنيف هو أبوجهل آخر، والجهل المقصود بهذا السياق هو الجهل بعلم الحكمة الفكرية الأخلاقية النفسية العاطفية الروحية السلوكية الجوهرية والعملية الواقعية الموضوعية، وهو علم انقرض بالأدبيات والمناهج والمؤلفات والخطاب الإسلامي المعاصر، وهذا سبب أن المتحمسين عقائديا شعروا أنه لا توجد طريقة للتعامل مع العالم والناس سوى بالعنف لأنهم مفتقرون بالكامل للمعرفة اللازمة عن طرق ووسائل التأثير على العالم وأهله بشكل متحضر سلمي إيجابي، وبالمثل هو الحال بالنسبة للعنف الأسري؛ فبسبب كسل الآباء والأمهات عن مطالعة كتاب لعالم نفس مختص يدلهم على وسائل التربية غير العنيفة يقومان بتعذيب أطفالهم بالعنف الأسري وتشويههم وتدميرهم عقليا ونفسيا واجتماعيا وتشويه شخصياتهم ودفعهم لسلوكيات الهروب من البيت والإدمان والانتحار، وبالمثل هو الحال مع الزوج الذي يمارس العنف الأسري مع زوجته ويجعل حياتها جحيما حتى يضطرها للطلاق والخلع لأنه تكاسل عن مطالعة كتاب لعالم نفس مختص بالعلاقات الزوجية يعلمه ويثقفه حول كيفية حل المشاكل الزوجية والتعامل الإيجابي مع الزوجة دون وسائل العنف المادي والمعنوي المباشر وغير المباشر؛ ولذا يقل تورط الإنسان بالعنف الأسري والاجتماعي والجنائي والإرهابي كلما ارتفع مستوى تعليمه وثقافته؛ لأن بروفيسور الجامعة المثقف يعرف كيف يمكنه التأثير بالعالم والناس عبر وسائل التأثير غير العنيفة، بينما الجاهل يفتقر لتلك المعرفة فيشعر بأنه لا وسيلة لديه للتأثير على العالم والناس حتى من يفترض أنهم أقرب المقربين أي الأهل إلا بالعنف فكيف يمكن توقع أن يكون تصوره عن التعامل مع الغرباء المختلفين بانتماءاتهم بغير العنف الإرهابي وهو حتى لا يعرف كيف يتعامل مع زوجته وأطفاله بغير أنماط العنف الإرهابي؟ ومن أسوأ سنن العصر الحديث التعليمية اقتصار التعليم على دور إعداد الدارسين لسوق العمل لا أكثر وليس بناء الإنسان بشكل متكامل؛ ولذا يغيب تدريس مادة للحكمة الأخلاقية الفكرية السلوكية التي تزيل جهل الإنسان بهذه المجالات، وبالتالي تلقائيا كانت ستحصنه من أن يتورط بأنماط العنف بكل أشكاله وأنواعه ومجالاته؛ لأنه سيعرف الوسائل العلمية الرشيدة والموضوعية غير العنيفة للتأثير على الناس والعالم مما سيجعله لا يشعر بأي حاجة للعنف، وتوجد هذه المعرفة الجوهرية بالكتب الإسلامية من العصور الوسطى تحت عنوان «الرقائق» وتوجد بكتب الحكمة والروحانية لكل الأديان والثقافات، وكتب التنمية الذاتية المبنية على الدراسات العلمية وليس كتب الكليشيهات الفارغة، وكتب علم النفس والاجتماع، والفكر الفلسفي المعاصر، مع مطالعة كيف تبدو الأمور من وجهة نظر الآخر المختلف لمعرفة كيفية التواصل معه بشكل موضوعي منصف غير عنيف كمطالعة المتعصبين ذكوريا لشهادات الحقوقيات وضحايا الاضطهاد الذكوري.