-A +A
منى المالكي
وبدأت كورونا في الانحسار، وبدأنا نتنفس الحرية التي حرمتنا منها فيروسات لا نراها إطلاقا وكأننا نصارع أشباحا في ليل مظلم حالك السواد! بدأنا نصحو على حقيقة أن حياتنا السابقة أجمل مما نتخيل، تفاصيلها الصغيرة التي بدت لنا مملة وتافهة وقتها، أضحت مطلبا صعب المنال في أيام الحجر المنزلي! كانت أقصى أمانينا أن نتمشى قليلا في الشارع ونخرج من عزلة لم نعتد تفاصيلها الكئيبة وقد نجح بعضنا في استثمارها وباء الكثير بالفشل!

الآن وبعد الإطلاق العظيم لا بد من وقفة، بل وقفات صادقة وقوية أمام المرحلة السابقة في استرجاعها ودراستها وتفكيكها وتشريحها، فلا يمكن أن تكون جائحة كورونا كلها ألما وعذابا وفقدا وتقييدا للحرية وعزلة أو تباعدا قسريا فقط! لا كورونا حملت في طياتها منحا عظيمة، كورونا أتت ومعها فرص ومكتسبات كبيرة لا بد من استثمارها الآن، كورونا جاءت ومعها تنبيهات وتحذيرات لمستقبل آمن أنه لن يتغير إطلاقا، فإذا بكورونا تنسف كل توقعاتنا لتقرر حقائق مهمة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية!


السؤال الكبير هو ماذا كسبنا من كورونا؟ وكيف سنحافظ على مكتسباتنا خلال الجائحة؟ أولا يجب أن نعترف أن أوقات الحجر المنزلي كانت فرصة عظيمة لا كتشاف كل شيء حولنا، اكتشاف ذواتنا، اكتشاف من حولنا، كانت كورونا أشبه بمرايا عملاقة عكست لنا الأشياء بصدق وعفوية، وقررت حقيقة أننا قبل الحجر غيره تماما بعد خروجنا منه، كم سمعنا عن حالات طلاق أو شجارات عائلية حدثت، أو نكتة تتحدث عن رجل عرف لون شعر زوجته أخيرا أو عن امرأة اكتشفت أن زوجها دمه خفيف! أو عن تفاصيل منازلنا أو حدائق بيوتنا التي اكتشفناها لأول مرة! هذا كله لا بد من استثماره الآن إن استطعنا إلى ذلك سبيلا!

وعلى مستوى آخر التعليمي مثلا اكتشفنا قدراتنا على التعلم والتي توقع البعض أنه ليس بالإمكان أكثر مما كان! فرأينا المعلمين والمعلمات مثلا في عمل رائع ومميز مع التقنية والتعامل السريع السلس مع «التعلم عن بُعد»، وفي رأيي أن القطاع الصحي والتعليمي هما واسطة العقد في جائحة كورونا! ولذلك لا بد من استثمار «التعليم المستمر» وألا نتوقف عند الشهادة والوظيفة فقط، فهناك في الأفق تلوح مهارات ومكتسبات نحن الأجدر بها.

تعداد مكتسبات كورونا كثيرة، فكل واحد منا لديه قصص وحكايات حولها ومعها، ولكن الأجمل دائما هو خروجنا بأقل الخسائر من هذه الجائحة التي دفع فواتيرها الباهظة العالم كله، بينما في بلادنا الحبية الغالية كانت الخسائر والألم معقولة بجانب ما عاشته دول كبرى ارتبكت وتوقفت لديها سلاسل الإمداد، بينما نحن ولله الحمد والمنة لم نشكُ من فراغ أرفف السوبرماركت أو عجز غرف العناية المركزة أو توقف التعليم أو انقطاع شبكات الإنترنت، فالحمد لله حمدا كثيرا.