-A +A
أسامة يماني
أرسل الأخ المهندس زكي فارسي مقطع فديو من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعي (واتساب) ذكرني بكتاب من الكتب المعروفة المشهورة، كنا في أيام المراهقة نحرص على قراءته. كتاب تمتزج فيه الحكمة بالقصة، والموعظة بالحكاية، والإثارة بالروية، والأدب في السردية التي تحمل الحِكم والعبر، مصحوبة بجمال اللغة، هذا الكتاب هو «كليلة ودمنه» ترجمة عبدالله بن المقفع. ويمتاز الكتاب بأبوابه المنتظمة التي تعتمد أسلوب السرد لحكايات مُضمّنة ضمن قصص أخرى تعرف بالقصص الإطارية، وبأسلوب الحكاية المَثَلية التي تَرِد على ألسنة الحيوانات.

لقد كان مقطع الفيديو لشخص يحكي حكاية وقعت ما بين حمار ونمر، حيث قال الحمار للنمر هل تعلم أن الحشيش (العشب) لونه أزرق، قال النمر لا لأن الحشيش لونه أخضر. فثار خلاف كبير بين الحمار والنمر على ما هو حقيقة لون العشب أخضر أم أزرق. واحتد الخلاف وتصاعد حتى وصل بهما الأمر لرفع وعرض الخلاف على الأسد ليحكم بينهما، ليظهر من هو المصيب ومن المخطئ.


وفعلًا ذهب الحمار والنمر للأسد ليقضي بينهما. فقال الحمار مولانا الأسد إنني أقول إن لون العشب أزرق ويخالفني النمر في هذا الأمر حيث إنه يرى أن لون العشب أخضر. فنظر الأسد للنمر أهذا هو الخلاف الذي ملأتم به الغابة صراخاً وصياحاً وقطعتم عليَّ استراحتي؟ قالا نعم. نظر الأسد للحمار وقال له إنه طالما هذه قناعتك أن العشب أزرق فلك أن تقول إن العشب أزرق. ففرح الحمار وطلب من الأسد معاقبة النمر على خلافه معه. عندها التفت الأسد للنمر قائلاً لقد حكمت عليك أيها النمر أن تقلع عن الكلام لمدة ثلاثة أيام.

انطلق الحمار فرحاً بهذا الحكم الذي أنصفه. وظل النمر واقفاً أمام الأسد مستغربا ومستعجباً من الحكم. وقال سيدي الأسد لماذا حكمت ضدي أليس العشب أخضر؟ قال الأسد حكمي لا صلة له بكون العشب أخضر أم أزرق، لكن حكمي عليك لأنك النمر صاحب الاحترام والتقدير دخلت في خلاف لا طائل لك فيه ولا مصلحة، مع مخلوق لا يليق بك الدخول في جدال معه وجئت لي لتتأكد من شيءٍ تعرفه ولا تحتاج فيه إلى تأكيد مني فكلنا يعلم بأن العشب أخضر. فلهذا الأسباب كلها حكمت عليك.

العبرة المستفادة من هذه القصة أولاً: أن لا تدخل في جدل مع شخص متعصب لرأيه مقتنع به غير قابل للنظر في أي جانب آخر غير الذي يعتقده ويجزم بصحته، حتى لو كان الظاهر خلاف ما يعتقد ويؤمن. ثانياً: إن الفائدة الأخرى التي نخلص منها هي أنه يجب أن ينظر المرء مع من يتجادل قبل الدخول في أي جدل. وثالثاً: أن المغزى المستفاد من هذه القصة الرمزية أن الجدل الذي لا فائدة منه يجر المتاعب والنتائج السلبية، ولا يجلب إلا الخسارة والضياع.

وقد قيل لا تجادل الأحمق فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما. كما يقال (لا تمارِ أخاك؛ فإنَّ المراء (التحدي) لا تفهم حكمته، ولا تُؤمَن غائلته).

نعم، لا تدخل في نقاش تريد أن تنتصر فيه، بل ادخل النقاش لتعرف الصواب، وفهم الرأي الآخر، وللاستفادة والاستزادة والإحاطة.