-A +A
حمود أبو طالب
ما زالت ذاكرتي تحتفظ بما كان يحدث في ذلك المبنى الواقع في شارع الظهران بمدينة الرياض في بداية الثمانينات الذي كان مقراً لجمعية الثقافة والفنون، فيلا صغيرة بجانب السكن الجامعي تزدحم كل مساء بالشباب الهواة للموسيقى، تحت إشراف أسماء بارزة في مقدمتهم الموسيقار الكبير طارق عبدالحكيم -رحمه الله. كنت وبعض الزملاء نعرّج عليها لننتشل أرواحنا من جفاف دراسة الطب، ونستمتع بالموسيقى الجميلة، ونراقب الشباب المفتونين بالموسيقى الذين كانوا يحلمون بأن يكونوا عازفين ومطربين كبارا.

لكن جاءت الطامة ودخلنا مرحلة الجفاف الموسيقي المؤسسي، لتتحول الموسيقى مع الوقت إلى منكر كبير يتباهى الغلاة بتكسير آلاتها في المحافل وتأثيم ومطاردة من يقتنيها، وبعد أن كانت المدارس تقيم الحفلات الموسيقية في زمن ما، أصبحت مقرراتها تلقن تحريمها. ولذلك أصبح من الطبيعي أن تصاحب الفنانين السعوديين فرق من خارج المملكة، وأن لا تكون لنا فرقة موسيقية وطنية نشاهدها في المناسبات أو تمثلنا في المهرجانات مثل بقية الشعوب في كل أنحاء العالم.


الآن نحن نعيش مرحلة مختلفة، مرحلة استعادة الوعي، واستشعار الجمال والاحتفاء به، ومن ذلك إعادة الاعتبار للموسيقى كملمح إنساني حضاري، بتدشين حضورها مرة أخرى في المعاهد المتخصصة والمدارس، والأهم إنشاء فرقة موسيقية وطنية وكورال سعودي على أسس علمية. قال لي الدكتور أيمن تيسير مدير البيت الموسيقي الذي يشرف على تدريب الفرقة بعد أن هاتفته معبراً عن إعجابي الشديد بتدريبات الفرقة التي شاهدنا بعض مقاطعها على منصات التواصل، يقول لقد وجدت خامات مبدعة وجاهزة للانطلاق تبشر بفرقة وطنية عظيمة، وكذلك يؤكد الصديق الشاعر الدكتور صالح الشادي رئيس مجلس إدارة البيت الموسيقي بأنهم سعداء بورش التدريب التي يقيمها البيت في أكثر من مدينة، وأن هناك مستقبلاً موسيقياً باهراً يحمله عدد كبير من الشباب والشابات الموهوبين.

نحن في مرحلة جميلة، مرحلة إعادة أنسنة المجتمع، والموسيقى من أجمل مظاهر الأنسنة..

«بدون الموسيقى يبدو لي العالم فارغاً».

(جاين أوستن)