-A +A
علي بن محمد الرباعي
ما أمداه يحط عمامته، ويقترب دلّته، إلّا وولد العريفة (شملان) واقف فوق رأسه؛ يطلب الجمل، لينقلون عليه تمر من بيشة، فقال (فردان): ما عندنا إلا حلالك إنت وأبوك. احتجّت زوجته (أم معدان) وقالت: يا الله نعناك، وش أغداك تورّيه وجهك الراضي، يا مرقّع خروق الشكوة؟ وليش ما تعذّرت؟ فقال: هاه آجل ودّك ادّرِق وراء ظهرك، وآهب فوق وجهي شيلة، الناس بالناس، والكل بالله، والحياة جمايل، فعلّقت: «نتعب ونشقى والمصالح لغيرنا».

طلب منها تفكه من الصجه، وقال: بالله عليك أهجدي عني، خليني أشوف وش أنا فيه من خيار أشواري، قالت: «خذ من أشوارك خيارها على قول المقوّل» لكن العريفة بيكُرّ جملك كرّ الناشي للحاشي، وفوقها لا حمدن ولا شكور.


نزل يسقي الجمل ويركّب الشداد فوقه، فلحقته، وقالت: يفقدني (مِعدان) ما تفك خطامه وتناوله (ولد ملتقّمة الحبش في السُندان) يكون تفك ملزمة الله بيني وبينك. وأضافت: صيفنا محبول في الأودية، ودمنتنا مقوّزة، ما نقلناها، وإنته شاة من يقودها، كلما حد طلبك عازة قلت هاك، ما سدّك، يوم أعطيته ولد العطافي يحتطب فوقه، وردّه عليك مسلّك من الشيكان والقيعان، آهي الأوّله تروعك والثانيه بين ضلوعك. وعقدت طرف عمامته وقالت: جمله عنده، وهو كما يقول المثل «الحاجة في الصندوق ويدوّر لها فالسوق»، ثُمّن ليش ما يطلب جمل عمه (ضرسان) وإلا الحياة على الله والرزق على خلق الله.

انفعل (فردان) عليها، وقال: امسي عنّي من الوتوته، جملي وأنا أتصرّف وأتحرّف فيه زيّ ما أبغى، أربّك زفيتيه معك ليلة مرواحك، وإلا بارك به أهلك متسرقين مرزقهم، وما عاد إلا تمشين كلامك عليّه، لا قالها الله، إن كان بتصغّرين فردان ورأسه يشم الهوا.

شعرت أن الجدل بيفسد عليها بقية نهارها، فتناولت الطشت، والإبريق، وورق عثرب، وبعيثران وندرت المراح، فيما استندر (فردان) الغليون وعمّره بالتنباك، والتقط له جمرة صغيرة، وبدأ يلحن شغيبه بطرق الجبل (يقول بوعساف كم نرقد وننبه، ما شبعنا فيك يا نوم، لولا مشقات الزمان النوم حالي).

يومين، ثلاثة، أربعة، لا هادي، ولا منادي، وما حسّ ولا درى، إلا والفقيه سُدّة الباب، قال: ألحق جملك، حسر علينا قاع النقبة، وحطينا الحِمل من فوقه، وآهو لحاله، في طرف الوادي، برك، وقال (هذا حدّي ما أعدّي)، عوّدنا شلنا عِدِل تمر العريفة فوق المشاديد وخليناه مكانه، ذلحينه، قم والتحقه لا تتعشاه الذيابة.

نسي فردان الجمل، ولقّى ويلا العريفة، ولقيه يتقهوى مع الصبيّة الأخيرة، تنحنح وقال: يا منصوبنا، أعطيك جملي تحمّل تمرك فوقه، وتخليه في الحداري والغداري، سوّدَ الله وجه اللاش.. وليتها من غيرك. فقال العريفة بكبرياء: جملك يكرع من أذنه، وحاسر ما يسير إلّا بتلّه.

قال صدق من قال: الجمل والحمار والبقرة والثور ما يعيرها إلا معثور، وإذا حد احتاجني باسرح مع حلالي، بنفسي (تعب الساق ولا تعب الخاطر). قال العريفة لزوجته: ازحفي شوية خلّيني أمدد أرجولي. فقال: والله ما فيك لا صوف ولا معروف، وجزا المعروف سبعة كفوف.