-A +A
عبداللطيف الضويحي
هناك مجتمعات محلية تمارس التسويق وتتعاطى التجارة بفطرتها ومن تلقائيتها ومن واقع ثقافتها الاجتماعية، بينما يجادل البعض بأن المعادلة اختلفت الآن تماما، حيث يتطلب الأمر مهارات تسويقية فائقة في ظل المنافسة المستعرة، حيث تتكالب تأثير التجارة الدولية والتجارة الإلكترونية في آن واحد.

فلماذا نجحت تجارة التمور في بعض مناطقنا ومجتمعاتنا وكيف نجحت بترسيخ أصناف معينة من التمور داخل المملكة وخارجها، بينما أخفق البعض من مناطقنا ومجتمعاتنا المنتجة للتمور بتسويق اسم أو صنف من أصناف التمور المنتجة لديها؟ ما العوامل والاعتبارات التي جعلت بعض أصناف التمور أكثر رواجا من البعض الآخر؟ هل هي قاعدة الأسبقية في السوق؟ أم أن هذا الرواج يستند إلى قاعدة التصنيع الغذائي وما أحدثته من ثقافة استهلاكية لدى بعض شرائح المجتمع؟ وهل النجاح والفشل يعود إلى دراسات صحية وقيمة غذائية رفعت وعي المستهلكين بالجيد من الرديء بين التمور؟ أم يعود لافتقار بعض مجتمعاتنا ومناطقنا إلى ثقافة التسويق والتجارة وبالتالي فشل ازدهار زراعة وصناعة وتجارة التمور في مناطق بعينها رغم كميات الإنتاج؟


تعد المملكة ثاني أكبر منتج للتمور في العالم، حيث تستهدف رؤية المملكة 2030 استثمار المكونات الغذائية ومنها قطاع التمور كواحد من أهم القطاعات لتتويج الاستثمارات والصادرات الوطنية لدول العالم، فقد بلغ عدد أشجار النخيل في المملكة حسب إحصاءات وأرقام المركز الوطني للنخيل والتمور وبعض المصادر 31 مليون نخلة، بينما يبلغ إجمالي إنتاج التمور في المملكة 1.5 مليون طن، حيث وصل عدد المزارع 123 ألف مزرعة، ويبلغ إجمالي صادرات المملكة من التمور 215 ألف طن، مقابل 1.02 مليون طن يستهلك محلياً، بينما يذهب هدرا وفاقدا 300 ألف طن حسب نفس المصدر.

تقوم صناعات التمور التحويلية على منتجات في المخبوزات وفي المنتجات الطبية والتجميلية وغذاء الأطفال ومشروبات العصيرات ومنتجات الألبان والوجبات الخفيفة والمربيات والكريمات والتمور والحشوات والمكسرات وبأشكال مختلفة، بينما يبلغ عدد مصانع التمور 157 مصنعا.

إن القفزة الكبيرة التي حققها قطاع التمور في المملكة لافتة ومهمة وحيوية، في ضوء المرتكزات والأهداف الاستراتيجية التي يعمل عليها وفي ضوئها المركز الوطني للنخيل والتمور ولما يتمتع به مجلس إدارة المركز من خبرة بين أعضائه، ناهيك عن المهنية والمعرفة لرئيسه التنفيذي د. محمد النويران في هذا القطاع الحيوي والمهم، تبدر تساؤلات تثيرها بعض الأرقام بين ثنايا تلك الإحصاءات منها تلك الفجوة بين كمية إنتاج المملكة من التمور مقارنة بكمية الصادرات، وارتفاع كمية الفاقد والهدر وما إذا كان لها علاقة بمحاصيل التمور من الحدائق والمنشآت العامة، وعلاقة كل ذلك بقرار وقف زراعة النخيل في الحدائق ولماذا لا يتم استثمار محاصيل التمور في الأماكن العامة من خلال شركة تؤسس لهذا الغرض؟

لماذا تتسع الفجوة بين الفكر السياحي لمنتجات التمور وصناعات التمور على نحو يربط الطرفين بهوية كل منطقة من مناطق المملكة سياحيا وثقافيا، بما يخدم رواد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة؟ ولماذا تساوي وزارة البيئة والمياه والزراعة النخيل بمحاصيل زراعات ليست بكمية ونوعية التمور في المعادلة الكبرى؟ لماذا تبدو الوزارة وكليات الزراعة في جامعاتنا غرباء عما يدور خاصة بموضوعات مثل سوسة النخل؟

في محاضرة عقدها مركز عبدالرحمن السديري الثقافي يوم الأربعاء الماضي، يقول خبير زراعة وصناعة وتجارة التمور الأستاذ عبدالعزيز التويجري في محاضرته واستنادا لخبرته الطويلة في هذا المجال، إن من السهل تسويق التمور المكنوزة إلى الشعوب التي تأكل الرز ويقصد الشعوب الشرقية، خلافا للشعوب التي تأكل الخبز، فمن الأسهل تسويق الرطب إليهم وعليهم أكثر من تسويق التمر المكنوز.

أما أنا فيساورني تساؤل عن حجم تأثير علاقة التوأمة القوية بين القهوة العربية والتمر لدى السعوديين وبعض الشعوب العربية تاريخيا وثقافيا ورومانسيا واقتصاديا، فهل سينحسر استهلاك التمور بسبب انحسار استهلاك القهوة العربية بين أبناء الجيل الجديد، ما لم تتفتق الذهنية التسويقية عن إعادة ربط أنواع القهوة الجديدة بالتمور ومنتجاتها؟