-A +A
طلال صالح بنان
يكثُر هذه الأيام الكلام عن تهدئة تمتد أو تقصر بين قطاع غزة و«إسرائيل». التهدئة غير الهدنة. الهدنة، سياسياً وقانونياً وعسكرياً لا تعني وضع حدٍ للصراع، بل تجعله معلقاً وتأجيله إلى مرحلة أخرى يندلع فيها القتال مجدداً. قد تُفْضِي الهدنة إلى اتفاقات سلام، لكن ليس بالضرورة ينتج عنها غالبٌ ومغلوب، على الأقل بين الأطراف المتصارعة.

إلا أن التهدئة هي أقرب لكونها «استراحة» محاربين، منها، لتصور أطراف الصراع حسم الصراع، خارج المعادلة الصفرية. هذا التوجه نحو التهدئة خلاصة ما يدور في الساحة الإقليمية والدولية، بعد العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة. هي فرصة لطرفي الصراع لالتقاط الأنفاس، ولتسوية بعض الأمور العالقة، مثل: تبادل الأسرى وإعادة الإعمار ورفع الحصار، استعداداً لجولة صراع عنيف قادمة، قد تندلع في أي لحظة.


لكن التهدئة، لا تعني توقع تغيير كبير في سلوكِ وتوجهِ أطراف خارجَ حلبة الصراع المباشرة، تبلورت لديهم مواقف غير تقليدية في الفترة الأخيرة، من طبيعة الصراع ومدى خطورة استمراره على مصالحهم، حتى أحياناً تجاوزاً لمتطلبات أمنهم القومي. أظهرت موجة العنف الأخيرة أطرافاً دولية، فوجئت باندلاع جبهة غزة «إسرائيل».. الأمر الذي قد تتمخض عنه تداعيات سلبية، على ما يعتبرونه إنجازاً تجاه «تسوية» شاملة، بل وحسمها، مرة واحدة وللأبد، بغض النظر عن ثمنها.

في الفترة الأخيرة كان قطار ما يسمى «التطبيع» ينطلق متجاوزاً محطات استراتيجية مهمة في سباق مع الزمن، وأحياناً مع المنطق. فجأة، وبسبب الحرب، أُجبر القطار على التوقفِ، في استراحةٍ قد تطول قبل أن يواصلَ انطلاقه.

التهدئة، التي يدور الجدل عليها هذه الأيام، ليست معنية بها أطراف الصراع المباشرة. قد تكون موجة التطبيع تراجع مدها، أثناء الحرب على غزة وبعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، إلا أن أمواجها المتلاطمة ظلت تتتابع، ولو على استحياء.

وهنا توفر التهدئة فرصة لا لمراجعة المواقف، بل للتأكيد عليها. الحربُ الأخيرة أعطت بعض الأنظمة العربية فرصة العودة إلى الواجهة، بينما دولٌ أخرى توارت بمفاجأة الحرب، إلا أنها لا تخفي مكابرتها في الغوص عميقاً في هذا «المستنقع».