-A +A
نجيب يماني
تعظيماً لقدر الوالدين ذكرهما الله في قرآنه بقوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا) وقوله تعالى (قُل تعالوا أتلُ ما حرّم ربّكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا) «فالإحسان إلى الوالدين يعني برّهما وحفظهما وامتثال أمرهما وترك السلطنة عليهما». وعدم التقصير معهما وترك الإساءة إليهما وإن صغرت فكيف بالعقوق وهو من أكبر الكبائر، وقرن الله عز وجل حق الوالدين بالتوحيد، لأن النشأة الأولى من عند الله، والنشء الثاني (وهو التربية) من جهة الوالدين، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره فقال: أن اشكر لي ولوالديك. والإحسان إلى الوالدين يعني معاشرتهما بالمعروف، والتواضع لهما، وامتثال أمرهما، والدعاء بالمغفرة لهما بعد مماتهما، وصلة أهل ودهما.

فالإحسان إلى الوالدين يأتي بعد عبادته وهذا دليل قوي على أن الإحسان لهما وبرّهما هو من أعظم القربات إلى الله، كما إن شكر الله على نعمه يأتي في المرتبة الأولى وشكر الوالدين تالياً لقوله «أن اشكر لي ولوالديك» وهو مربوط بالآخرة (إليّ المصير)، حيث ينفع هذا الرصيد كادخار في الآخرة، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله.


يُؤكّد هذا حديث رسول الله «رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين». يقول ابن عباس: «ما من مسلم له والدان يصبح إليهما محتسباً إلاّ فتح الله له بابين يعني الجنة وإن كان واحداً فواحداً وإن غضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه، قِيل وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه»، وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاث لا ينفع معهم عمل: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف».

يقول الرازي في تفسير (حملته أمه): أي صارت بقدرة الله سبب وجوده (وفصاله في عامين) أي صارت بقدرة الله سبباً في بقائه. حتى دخوله الجنة مرتبط برضاهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه. قِيل من يا رسول الله، قال: من أدرك أبويه عند الكبر ولم يدخلاه الجنّة».

يقول رسول الله لشاب استأذنه في الجهاد «أحيٌّ والداك»، قال: نعم. قال: «ففيهما جاهد». وقال رسول الله: «نومك على السرير برّاً بوالديك تضحكهما ويضحكانك أفضل من جهادك بالسيف في سبيل الله».

ومن لزم قدم والديه فإن الجنة عندها وتأكيداً لفضلهما وأهمية برّهما يأمر رسول الله من أتى يبايعه قائلاً: جئت أبايعك وتركت أبوي يبكيان، فقال: «ارجع أضحكهما كما أبكيتهما»، ويقول رسول الله: «الوالد باب من أبواب الجنة أو أوسط أبواب الجنة».

إن السبب الحقيقي لوجود الإنسان هو الله والسبب الظاهري هما الأبوان فأمر بتعظيم السبب الحقيقي ثم أتبعه بتعظيم السبب الظاهري، تقول أسماء بنت أبي بكر قدمت علي أمي وهي مشركة فاستفتيت رسول الله هل أصل أمي، قال: «نعم صِلي أمك».

وعلاقة الأبوة والأمومة ورضاء الوالدين لا تنتهي بمجرّد موتهما بل تستمر بالدعاء والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما بعدهما وإكرام أصدقائهما وصلة الرحم التي لا تُوصل إلاّ برهما والمقصود برهما بعد الموت، والصلاة عليهما بمعنى الاستغفار والدعاء لهما وإنفاذ عهدهما، يعني تنفيذ وصاياهما وإكرام صديقهما، اي أصدقاء والديه، يكرمهم ويحسن إليهم، ويراعي حقوق الصداقة بينهم وبين والديه، بالسؤال عنهم وتفقد أحوالهم وصلتهم، كذلك صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، كالإحسان إلى أخواله وأعمامه وأقاربه ويأتي كل هذا براً بوالديه.

يقول عبدالله بن عمر إن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه ابن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال له أصحابه أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال ابن عمر: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله يقول: «إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه».

ويقول رسول الله: «إذا أردت أن تتصدق صدقة فاجعلها عن أبويك فإنه يلحقهما ولا ينقص من أجرك شيء». ومن آداب الإسلام في برّ الوالدين أن لا تمشي بين يدي أبيك ولكن امش خلفه أو إلى جانبه ولا تدع أحدا يحول بينك وبينه ولا تمش فوق أجارٍ أبوك تحته ولا تأكل عرقاً قد نظر إليه أبوك لعلّه قد اشتهاه. ويقول ابن عباس لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من برّ الوالدين.

فاتقوا الله في آبائكم وبرّوهم في الدنيا وأحسنوا إليهم في الآخرة وتذكروا أنهم سبب وجودكم في هذه الحياة وسيأتي يوم تتمنون أن يكون آباؤكم على قيد الحياة لتنعموا بالنظر إليهما. ولنتذكر دائماً أن بر الوالدين قصة نكتبها نحن ويرويها لنا أبناؤنا فلا بد أن نحسن الكتابة. فمن زرع الحب حصد المحبة، فراقهم صعب وغيابهم ألم. كم أشتاق إليك يا والدي وأحن إلى نبع حنانك الدافئ الذي جف بموتك. رحم الله آباءنا وأمهاتنا وأسكنهم جناته.