-A +A
جميل الذيابي
يمكن لكل مشاهد ومتتبع ومراقب لمقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن يستخرج عشرات وعشرات العناوين المهمة.

لكن بلا شك أن ثمة نقاطاً أساسية أخرى تستوقف الإنسان قبل أن يدلف للمواضيع المهمة التي تطرق لها ولي العهد خلال المقابلة مع الزميل عبدالله المديفر.


وفي صدارة تلك العناوين التي يلاحظها المتابع، كاريزما ولي العهد، واستعداده للإجابة عن أي سؤال يُوجه له، وذاكرته اليقظة دوماً للأرقام والنِّسب. كما أن إجابات سموه تنم عن الفلسفة الإدارية العالية التي يدير بها العمل التنفيذي، في تناسق تام مع ضرورات التفكير، والتخيّل والحلم ثم التخطيط وحسابات الربح والخسارة والإنجاز والإخفاق.

كما أن حديث الأمير محمد بن سلمان يكشف شغفه بالعمل الذي يقوم به، على الرغم من طبيعة تشعب مهماته، وما يقتضيه إشرافه على جهاز الدولة من خبرات متنوعة، وتقديرات التعامل مع الأشخاص في مختلف المواقع، وقد أشار الأمير محمد إلى أن الشغف بالعمل هو من ضمن المقومات المهمة التي يضعها في اعتباره، إلى جانب الكفاءة والقدرة حين يُهمُّ باختيار شخص ما لتكليفه بأية مهمة.

سيقتضي التعمق في شخصية ولي العهد، من خلال إجاباته عن الأسئلة التي وجهت إليه الإشارة إلى موسوعية معارفه، خصوصاً حين تحدث عن مسائل الاعتدال والتطرف، وأصول الحكم، ومفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية، واعتباره أن باب الاجتهاد مفتوح للأبد، وأننا لن نلزم أنفسنا بمدرسة أو شخص في أحكام الدين، وتفصيله المحيط بمسائل الحديث، والسنة النبوية، وحجة النص القرآني، والحديث عن عدم وجود ما يبرر القلق على الهوية السعودية من مشاريع الانفتاح والتطور.

وكان الأمير محمد بن سلمان أبعد نظراً حين تحدث عن أنه بعد العام 2030 سيكون هناك 2040، وهي مرحلة المنافسة العالمية، وكان مقداماً في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية السعودية، خصوصاً الاختلافات مع الحليف الأمريكي، وطبيعة العلاقات المنشودة مع الجارة إيران، والأمل في استجابة الحوثي لما يحتمه انتماؤه العربي اليمني، وتوسيع السعودية شراكاتها الإستراتيجية دون الإضرار بأي دولة أخرى، وتمسكها بضرورة احتكام العالم لأهم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وهو عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

ولا أريد أن أعيد ما قاله ولي العهد؛ لكن حرصه وشغفه بالأرقام قادني إلى ملاحظات مهمة تتمثل في أن سموه يحرص على متابعة التفاصيل بأدق دقائقها، وكنا في «عكاظ» قد أشرنا مراراً غداة إعلان تفاصيل رؤية 2030 في أبريل 2016، إلى أن كل خطوة كبيرة من أجل مصلحة الشعب تتطلب التضحيات، والصبر على التحديات، وها هي الإنجازات والمنجزات تتوالى بعد انقضاء خمس سنوات، ولا تقتصر على المشاريع الكبرى التي تضمنتها الرؤية، بل برزت بوجهٍ خاص في أهم المجالات اللصيقة بحياة السعوديين، كالبطالة وسوق العمل، وجودة الحياة، وتحسين البيئة، وتمكين المرأة، ومخرجات التعليم العام والعالي، وضريبة القيمة المضافة، والإسكان.

وتتدرج المسألة لتشمل الرؤية الكامنة وراء إنشاء صندوق الثروة السيادية السعودي، الذي بات في طريقه لأن يصبح أكبر إنفاقاً رأسمالياً من الدولة، ولا تزال ثمة خطط يجري الإعداد لإعلانها، كما يُفهم من حديث ولي العهد، ومنها بيع 1% من ملكية شركة أرامكو العملاقة، واستكمال مكتب السياسات بمركز الدولة، ومشروع التحول الصحي، وتعزيز المركز الاقتصادي للعاصمة الرياض لخلق ملايين الوظائف.

ويؤكد التفكير الهادئ لولي العهد القدرة على مواجهة القضايا الكبيرة، خصوصاً في الملفات الساخنة والأزمات، وأن النفوذ الحقيقي الذي تسعى إليه المملكة هو ما يضمن تحقق مصالحها، وليس استعداء أي طرف، ولا الاعتداء على أية جهة.

صبر الأمير محمد بن سلمان على الأكاذيب والفبركات وتجاوز الصعاب والتحديات، حتى استطاع أن يرى الإنجازات تتحقق واحداً تلو الآخر خلال خمس سنوات من عمر رؤية المملكة الطموحة؛ إلى درجة أن بعض أهداف 2030 تحققت قبل حلول ذلك الوقت.

ولا شك في أن شرحه المحيط بقضية شركة «روشن» قضى على الجدل الذي ليس له أساس في شأن محاولة الدولة المزعومة لابتلاع المقاولين والمطورين العقاريين.

وقد قامت هذه المؤسسة من أجل الارتقاء بأدائهم، وحملهم على تقديم خدمات أفضل للمواطن.

ولا شك أن الرسائل التي وجهها الأمير محمد بن سلمان إلى العالم واضحة وضوح الشمس، وسيكون لها صدى إيجابي، وستحظى باهتمام على أوسع نطاق، خصوصاً رفضه المطلق للتطرف في كل شيء، وتشديده على أننا يجب أن نستأصل أي مشروع متطرف من أجل مصلحتنا الدينية والدنيوية. وكذلك قوله إن أي شخص يتبنى موقفاً متطرفاً هو مجرم وسيحاسب، والتأكيد على أن هامش الاختلاف مع الولايات المتحدة قد يقل أو يزيد، لكنها تبقى شريكاً إستراتيجياً مهماً، وأن السعودية ساعية إلى تعزيز شراكاتها مع دول العالم، وخلق شراكات جديدة بما لا يضير ولا يضر أي دولة أخرى.

يعلم السعوديون أنه ليس من عادات الأمير محمد بن سلمان الإكثار من الظهور عبر المقابلات الإعلامية، وذلك لكونه يفضل أن يكون موزّعاً وقته بين الجهات العديدة التي عليه أن يتابعها لكي تنجز من أجل المواطن السعودي الذي يريده راضياً، ولا شك في أن هذه المقابلة قدمت مفاتيح شخصية الأمير محمد بن سلمان، وهو يتحدث على سجيته، من دون تكلف، وبشفافية عالية، لأنه يدرك أنه على حق، وأنه يعرف كل شيء تفرض عليه طبيعة عمله الإشراف عليه، وتتضح شفافيته العالية أمام السعوديين بكشفه أن 80 % من الوزراء في عام 2015 ليسوا أكفاء ولا يستحقون التعيين حتى في أصغر الشركات.

الأكيد أن مقابلة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تاريخية، وتضع النقاط على الحروف لمواضيع محلية وإقليمية وعالمية، ولا شك أن أبناء وبنات الشعب السعودي بعد حديثه مطمئنون، فرؤية 2030 حقيقة ملموسة، وأمر مُعاش، ومسافات الإنجازات ليست طويلة.. ومثلما تمنى الأمير محمد بن سلمان «من ازدهار إلى ازدهار».. وطموح السعودية عنان السماء.