-A +A
عبدالرحمن الطريري
تظهر اليمن كثيرا كعنوان رئيس ليس لأنها أهم أوراق التمدد الإيراني في المنطقة، ولكن لأنها أولوية عبرت عنها الإدارة الأمريكية منذ الانتخابات الرئاسية، وهذا ناتج أيضا عن التركيز على اليمن كأزمة إنسانية، ضمن حملة مهاجمة المملكة واعتبارها المسؤول عن ذلك.

فالطرح الإعلامي الموجه، يصمت عن الحديث عن كل الدعم الإنساني الذي قدمته المملكة تاريخيا، قبل عاصفة الحزم وبعدها، كما أنه يصمت عن الدور الحوثي في سرقة المساعدات، وهذا لا يعني إنكار الوضع الإنساني الحرج في اليمن، وإنما تسليط للضوء على أن المساحة الإخبارية لكل ملف هي لعبة توجيه رأي عام دولي غير مباشرة.


فمثلا ما مقدار التغطية الإخبارية التي تسلطها وسائل الإعلام اليوم للحديث عن سوريا، والتي تعاني من تهجير أكثر من نصف الشعب، ومخيمات في لبنان والأردن وتركيا وأوروبا، ووجود خارج المخيمات في السعودية ومصر وعدة دول أخرى.

إيرانيا مثلا يعد الملف السوري من أهم الملفات في قطار التمدد للوصول للبحر المتوسط، ويجب أن لا نغفل الطموح الإيراني في السيطرة البحرية في المنطقة، كما أن خروج الملف السوري من يد النفوذ الإيراني، يعني بالضرورة تهافت فرص بقاء حزب الله قوي ومتحكم في لبنان.

فحرب تموز 2006 أكدت على أن نظاما مواليا لإيران في دمشق هو العمق الحقيقي للحزب، ولذا كانت مشاركة الحزب في الدفاع عن نظام الأسد في جزء كبير منه صون لمصالح الحزب في حديقته الخلفية، ونذكر أيضا عدد القصف الإسرائيلي لقوافل أسلحة وصواريخ متجهه للحزب في لبنان.

ولعل حادثة انفجار المرفأ بنترات الألمونيوم، التي كان يستخدمها بشار الأسد في براميله المتفجرة، والتهريب المستمر للوقود والبضائع المدعومة من لبنان إلى سوريا، يؤكد على أهمية وجود لبنان محكوم من إيران، لرفد سوريا المفيدة بالحد الأدنى في ظل التدهور الاقتصادي وعقوبات قانون قيصر.

وربما هذا الربط يأخذنا للعنوان الرئيسي في إيران، فطهران تنتظر انتخابات رئاسية منتصف العام الجاري، وكانت إستراتيجيها مع إدارة بايدن تعتمد على تصعيد مفاده أدركوا روحاني قبل أن يترك الرئاسة، فليس من السهل عليكم الحصول على اتفاق نووي مع الإدارة المحافظين التي ستخلفه، ولا تسأل عن هذا الديموقراطية على شاكلة نشرات الطقس.

لكن من جانب آخر هناك أيضا انتخابات رئاسية سورية، وهو قرار في نهاية اليوم روسي، وبالتالي من اللافت زيارة وفد من حزب الله لموسكو برئاسة النائب محمد رعد، ولقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واللافت أكثر أنها الزيارة الأولى للحزب برغم مرور ست سنوات على التدخل الروسي في سوريا والذي استدعى تنسيقا بين الطرفين بطبيعة الحال.

ولا تحتاج قراءة نتائج الزيارة إلى كثير من التحليل، فقد ظهرت على سبيل التشنج الذي أبداه أمين عام حزب الله في كلمته، وتلويحه بحرب أهلية، فموسكو في نهاية الأمر تستعد للتفاوض مع واشنطن حول سوريا، وربما قبل الانتخابات، وبالتالي تُذكر الرفقاء في محور إيران، بأنهم ليسوا أكثر من أوراق تفاوض مع واشنطن.

بين الانتخابات الإيرانية والانتخابات السورية، وبالحديث عن «الصبر الإستراتيجي» الذي عبر عنه روحاني وقت إدارة ترمب، نتذكر من الفن السريالي وهو الفن الذي يسمى أيضا «فوق الواقع»، لوحة الفنان الإسباني سلفادور دالي «إصرار الذاكرة»، وكيف تذوب الساعات.