-A +A
مالك عبيد
يبدو أن هناك مقاربة غريبة تتكون بين موجة التشكيك في أهمية لقاحات كورونا ومدى فعاليته أو مصداقيته وبين هجمات التشكيك التي ما تنفك تستهدف المملكة وكل ما يحدث بها من أنشطة وفعاليات!

فمنذ تأسيسها ولغاية اليوم ما تزال المملكة تواجه مداً قوياً من حملات التشكيك والتبشير بسوء المنقلب. تحليلات في شتى المجالات تدور بأغلبها حول حتمية الانهيار أو التفكك نتيجة لسلسلة طويلة ومعقدة من الأزمات المتخيلة في قادم الأيام! مضت العقود تلو العقود وما يزال «ضرب الودع» و«قراءة الكف» والفرضيات المستندة على «قادم الأيام» في التحليل السياسي قائمة دون أن نرى من سوء المنقلب الموعود أي دليل أو نتيجة على أرض الواقع، سوى أن المملكة تتقدم كل يوم نحو الأمام وتحقق الأهداف بخطى ثابتة، دون أن تلتفت لإذاعات وصحف وتلفزة التهويل وإشغال أذهان الناس بما لا يجدي نفعاً.. كان عقل الدولة وجسدها طوال الفترات الماضية يعملان بلا ضجيج. فلم تتوقف المشاريع ولم تغلق أبواب الفرص، ولم تتردد الدولة في مواجهة التحديات الضخمة. بل راهنت على الإنجاز وسبحت بعيداً في آفاق استثمارية متنوعة ما تزال مستمرة ويعلن عنها كل يوم.. سنوات والمملكة هي المملكة لم تقف قافلتها، بل أصبحت ترتدي حلة جديدة من روح العمل والإنجاز، تعالج بمشرط الجراح الشجاع والمحترف ما كانت تعانيه من شبكات فساد ضخمة لا تخترق، تمنح أبناءها فرص النجاح والتقدم والرقي.. وتتحدث بلغة عالمية متفائلة ومهذبة وذكية ممتلئة بالثقة والقوة والثبات.. فاتحة أبوابها نحو التعاون والترحيب بالعالم بلا استثناء كي يكون شريكاً في البناء والتطوير والإفادة والاستفادة في المرحلة الحالية والقادمة، مصرة على كسر الحواجز والانفتاح.


شهوة سوء الظن المزمن خادعة تدفع الكائن البشري إلى مستنقعات خطيرة من عدم اليقين وضياع الأهداف، يستغله البعض أسوأ الاستغلال ليحول حياة المجتمعات إلى جحيم من الأسئلة المفتوحة بلا نهاية، فتفقد الناس ثقتها في أنفسها حاضراً ومستقبلاً وتفقد شعورها بجدوى الحياة، ليجد الإنسان نفسه في نهاية المطاف ضحية لسماسرة الجهل والوهم، ولتسلط الأفكار والأنظمة الديكتاتورية. ولعل مروراً سريعاً على تاريخ الديكتاتوريات حول العالم وجمهوريات العسكر التي عبثت بحياة المجتمعات بحروبها تعد أدلة وشواهد على حيرة الإنسان ونهايته البائسة. وإلا ما هو التفسير المنطقي لما تعانيه دول الثقل العربي وجمهورياته التي لم تترك لشعوبها إلا الويل والثبور والحروب والتشريد.

على العاقل وقاية نفسه من فايروسات التشكيك وسوء الظن دون جدوى بالتفاؤل والتوكل على الله أولاً، ومن ثم التسلح بالمعرفة العلمية والتمعن بالواقع وليس بالأحلام والأوهام والأمنيات التي لا يجنى من ورائها إلا ضياع الفرص. فالحياة لا تبنى على مبدأ «سوف يحدث في يوم من الأيام»، ولا تحدد الأهداف ولا تنجز بلغة يملؤها التشاؤم والإحباط.

من تجاهلوا سوء الظن وتلقوا اللقاح قد ذهبوا بعيداً في ممارسة حياتهم الطبيعية بعيداً عن المخاوف على أنفسهم وعلى محيطهم، ومن ظلوا حبيسي القلق ما يزالون يتربصون بالخطر وينتظرون الإصابة. وهؤلاء يشبهون إلى حد كبير من تجاهلوا سوء الظن بمصير بلدهم، ومستقبله وذهبوا بعيداً بحصد نتائج الانخراط بالعمل ومواكبة حركته والاستفادة من الفرص المتاحة لتحقيق مستوى عيش كريم لهم ولمحيطهم ولبلدهم. بينما ظل المتشائمون حبيسي سلسلة من المخاوف وانتظار سوء المنقلب وضياع الفرص حاضراً ومستقبلاً.

في النهاية من يفتح عقله وقلبه سيدرك أن ما يحدث في كلتا الحالتين هو نموذج للصراع المزمن بين من يراهن على الحياة بالتفاؤل والعمل وبين من يراهن على الموت باليأس والركود والكسل والتشكيك، وما بين هذا وذاك فليتنافس المتنافسون.

كاتب سعودي

malekObied@