أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author
--°C
تحميل...
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
تصفح عدد اليوم
مالك عبيد
الحج تنظيم شعائر أم تنظيم سياسي؟
ما إن يبدأ موسم الحج من كل عام، حتى تقوم الدنيا شرقاً وغرباً ولا تقعد، إلا بعد أن يقضي ما يقارب المليوني حاج مناسكهم وتنتهي الشعائر. يعود الحجاج إلى بلدانهم وبيوتهم بسلام، ويختفي صوت النقد والتقريع والصراخ ضد المملكة من قبل البعض. بينما تبقى حكومة المملكة بوزاراتها وهيئاتها التنظيمية الخاصة بالحج، تعمل على إعادة ترتيب أمور مدينة كاملة بحجم مكة، ووضعها في شكلها المعتاد والطبيعي لسكانها، وللقادمين أيضاً، من المعتمرين والزائرين طوال العالم. بالإضافة إلى عمل اللجان المعتاد والمستمر في تقييم مستوى الخدمات والتجربة من كل عام، بهدف تطويرها وتحسينها في العام الذي يلي.
علاقة المملكة بالحج علاقة تختلف عن غيرها من دول العالم، باعتبارها الدولة المسؤولة بالدرجة الأولى عن تنظيم الحج من ألفه إلى يائه، وهي مسؤولية كبرى ليس من السهل تحمّلها. بينما تقف مسؤولية الدول الأخرى عند حد إرسال بعثات وفرق مصغرة ومحدودة المسؤولية، تعمل عند حد الاطمئنان على ظروف حجاجهم، ممن يحملون جنسية البلد الذي جاؤوا منه أو ينتمون إليه، دون تكبّد عناء توفير الخدمات أو متابعة شؤون أي حاج من جنسية أخرى. بالمقابل تحمل المملكة على عاتقها مسؤولية تكلفة وتنظيم وتسهيل حركة أعداد مهولة من الحجاج في أوقات زمنية وجغرافيا محدودة، بما يشمل توفير الخدمات العامة كاملة من أمن، وصحة، وتغذية، ونظافة، وطيران، ومواصلات، وإرشاد، وجودة سكن وغيرها الكثير. إدارة دقيقة لحشود مليونية من البشر بكل احتياجاتهم الدينية والبشرية وبكل انتماءاتهم المختلفة، الوطنية، والبيئية، والعرقية، والطائفية، واللغوية، على أن يحدث كل ذلك في وقت قياسي دون تعطيل أو نقص أو إخفاق.
هذه المسؤولية لا يعيها البعض، بينما لا يريد البعض الآخر الالتفات إليها، ولا إدراك تبعات خضوعها لعبث المزاجات المختلفة، والرغبات، والمواقف السياسية، والتاريخية الفئوية. خصوصاً وأن كثافة الحجيج وسرعة حركة الناس في أمكنة وأوقات محدودة تجعل أرواح الناس مهددة في حال تم التلاعب بالقوانين والتشريعات المنظمة للحدث. وهذا ما يجعل الموقف الرسمي السعودي موقفاً حازماً ضد أي استغلال سياسي أو طائفي أو اقتصادي. فهي تدرك جيداً معنى هذا الحدث الجماهيري على المستوى الديني والإنساني. فهو لا يقبل الارتجال. ولا يمكن السماح بتحويله إلى ميدان للعبث من خلال تلبية رغبات شخصية، أو تصفية حسابات سياسية، أو حزبية، أو طائفية. ولا يجب أن يصبح حدثاً اقتصادياً يدور في فلك المنفعة المادية البحتة. وإلا فعلينا أن نستعد لما لا يمكن تخيله من رغبات وأجندات وأمزجة وثقافات، وأن يتحمّل حجاج بيت الله الحرام النتائج على إثر ذلك دون شكوى. كأن يقرر أحدهم تنظيم مسيرة مسلحة لاستعراض قوة مليشياته. أو أن يقرر أحدهم سوق أنعامه من الإبل والغنم لتشاركه الطواف فتتبارك وتتزايد. أو أن يقرر أحدهم أن يجعل زوجته تلد تحت أستار الكعبة، بينما يقرر أحدهم أن يأتي بجثة والده للطواف، أو ربما دفنها على قمة جبل عرفات.. وهكذا!
كل ما يدور في فلك السلبية والنقد والتخوين والتشكيك فيما تقدمه المملكة حكومة وشعباً من خدمات لحجاج بيت الله الحرام ما هو إلا محاولة للعبث بشعيرة رئيسية من شعائر الإسلام تختلف عن غيرها من الشعائر كونها حدثاً جماهيرياً يحدث ضمن محدودية الجغرافيا والتاريخ والوقت من كل عام.. أما شعارات «هذه أرض الله»، و«مناسك الله للجميع»، فهذا جزء من غوغائية البعض ممن اعتادوا الفوضى، وخلط الأوراق، والمغامرة بمصائر الناس الدينية والدنيوية. ناهيك عن أنها لا تليق بالحدث نفسه ولا بأهدافه الروحانية من قبل من ينتمي إلى الدين الإسلامي.
00:21 | 16-06-2024
إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة
لا ظلم لمناهج البحث العلمي والثقافي والأدبي، أكثر من أن يفتح المجال أمام من يفتقد إلى الحد الأدنى من الأسس العلمية والمعرفية ومنهجية التفكير وأدواتها البحثية المساندة لها، على اعتبار أن تلك الأسس هي الشروط الضرورية التي تمنح أي طرح علمي أو ثقافي أو أدبي، صفة الرصانة والحصانة من العشوائية وضياع البوصلة.
في منطقتنا العربية والخليج بشكل خاص، يبدو أن المحصلة الثقافة والمعرفية ومناهج التفكير، باتت تواجه هجوماً تاريخياً غير مسبوق في الآونة الأخيرة؛ ففي ظل اتساع دائرة منصات البث والنشر والتوزيع الرقمي الرسمية وغير الرسمية، فتح المجال أمام سيل من المتطفلين والطارئين، الذين يقودون هجمة شرسة من عشوائية الطرح، وإهمال التخصص بالادعاء. فيقصفون عقول المتلقي والمتصفح بطرح هش، تسيطر على مجمله الضحالة والسطحية ونقص المعلومة، بل والتدليس حتى. لتصبح نتائج تاريخ التجربة البشرية، أشبه بالسحر وقراءة الطالع والارتجال. ويصبح التاريخ وأحداثه، وقراءة منعطفاته قراءة مجتزأة أو قطعية لا تقبل الرأي والرأي الآخر ولا تقيم وزناً لنسبية الأحداث، وبشرية رمزوها وظروف تدوينها على سبيل المثال. وكأننا أمام مسرح مفتوح يخلط السياسة بالأدب بالدين بالأسطورة بالوهم وحتى بالطبخ، دون أن يفهم المتصفح من هم هؤلاء الخبراء المتحدثون؟ وما مؤهلاتهم؟ وإنتاجاتهم؟ ولا مناهجهم الفكرية والبحثية، ولا منطلقاتهم التي مكنتهم من تصدر المشهد، وإصدار أحكام بهذا الحجم.
ثقافة «الترند» وعدد المشاهدات، وضع أغلب المؤسسات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، أمام تحدي الموازنة بين كفتي الكم والكيف، بعد أن باتت هي السمة الأبرز في اختيار المحتوى على حساب رصانة المادة وشروط جودتها العلمية. وهذا ما يجعل تلك المنصات أمام تحدٍ أكبر يتمثل بتحمل المسؤولية الأخلاقية في حماية عقول الناس من عشوائية الطرح التي يقودها خبراء الارتجال والانتهازية. فلا يفتح لهم المجال واسعاً لتصدر المشهد، وغسل أدمغة الناس وتشويشها بالوهم على أنه المختلف النادر، والكشف العلمي الجديد. في مشاهد تعيد إلى الأذهان مسيرة شيوخ الكاسيتات والكتيبات خلال الخمسين عاماً الماضية، الذين بدأوا باستغلال أية فعالية أو تجمهر بشري ليعتلوا المنابر ويتصدروا منصات النشر آنذاك بلا ضابط ولا رقيب. فقدموا أنفسهم لعموم الناس والنشء خصوصاً، على أنهم نجوم مرحلة جديدة، تختلف في طرحها عن كل ما سبقها من مدارس تقليدية بعد أن أكل عليها الدهر وشرب، معلنين قطيعة تاريخية مع كل ما سبقهم من تجارب في هذا المجال. وفارضين على المتلقي فهمهم القاصر لأمور الدنيا والآخرة. الأمر الذي مكنهم خلال فترة زمنية وجيزة من الانقلاب على الدين وتحويل رمزيته الأخلاقية والروحانية إلى أحكام متطرفة، وآراء متشددة مبنية على الوهم والغيبيات والخزعبلات والتكفير والبعد عن الواقع، ولينتهي الأمر بالمجتمع والناس إلى فقدان بساطتهم وتسامحهم بالانتماء إلى مدارس تكفيرية متنوعة ومتناقضة وعمليات انتحارية في كل اتجاه.
الحق في الممارسة المعرفية، وحرية البحث والطرح هو حق أصيل مرتبط بوجود الإنسان منذ بداية الخليقة. فالمغامرة المعرفية للعقل البشري كانت ولا تزال مبنية على مبدأ البحث والتجربة والحيوية وإبداء الرأي. وهذا هو السر في صناعة الحضارة البشرية وتطورها. فلم يكن تاريخ التكوين المعرفي للبشرية نتاج وثنية معرفية مقدسة. ولا وليد طفرات عشوائية وردود أفعال ارتجالية، كما يحصل اليوم على يد «خبراء الصدفة» ومن يتبناهم أو يحاول تصديرهم للمجتمع تحت عباءة حداثية، ضارباً الأسس العلمية والأطر المنظمة لمسيرة المعرفة والتخصص وواقعية الإنجاز البشري، عرض الحائط. مدفوعاً بهوس «الترند» وعدد المشاهدات. تقول التجربة إن فاتورة اختطاف ديننا بالأمس على يد المتطفلين، دفعنا على إثره ثمناً باهظاً لا تزال آثاره السلبية تعيش معنا ونعاني منها لغاية اليوم. لكننا لم نعرف بعد، ما هو ثمن فاتورة السماح باختطاف العلم والمعرفة والتجربة على يد المتطفلين وأنصاف المتعلمين والارتجاليين ومجاملتهم؟
00:02 | 2-06-2024
الرهانات الخطأ للعقل المجتزأ
ليس هناك أسوأ من الإصرار على تكرار ذات التجربة، تكراراً حرفياً، طمعاً بالحصول على نتائج مختلفة عن السابق، أو أملاً بتحقيق أهداف وهمية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع. ولعل ما يحدث اليوم في شوارع العاصمة الأردنية عمّان، ما هو إلا مثال صارخ وشرح مبسط، لطريقة التفكير المجتزأ التي دأب الإخوان المسلمون على تبنيها على مدى تاريخهم غير المشرف ولغاية اليوم. وما رهاناتهم على الفوضى والانقلابات وخلط الأوراق في عمّان، إلا صورة طبق الأصل لكل الرهانات الفاشلة التي تتبناها المليشيات الفئوية والطائفية والحزبية الأخرى على طول وعرض دول المنطقة أملاً بحدوث ما لا يمكن حدوثه، وطمعاً بانقلاب الحال لصالحهم دون غيرها على حساب بقية أطياف ومكونات المجتمعات، وحقهم بتقرير مصيرهم وتحقيق التنمية والحفاظ على أسس وقواعد ومتطلبات العيش الكريم وفقاً لقيم العدالة والتكافؤ والمساواة والسعي إلى بناء المستقبل بعيداً عن ذهنية الفرقة الناجية بالدنيا والآخرة.
ما تقوم به حركة الإخوان المسلمين في شوارع عمّان، تحت مظلة التصريحات التي يطلقها قادتهم هنا وهناك، معلنين عن رغبتهم في توسعة الاحتجاجات لكافة دول المنطقة، هو كشف جديد عن أن الحراك الذهني والعملي والأخلاقي وقائمة الأهداف لديهم ما تزال هي ذاتها لم تتغير. وإن انخفاض صوتهم بالمرحلة السابقة، ما هو إلّا إعادة تموضع وتربص بالمنطقة الدوائر لحين سنوح الفرصة المناسبة للظهور مرة أخرى على وجه الأحداث، والانقضاض على مصائر الناس، سواء بقوة السلاح أو بالاصطياد بالماء العكر أو بخلط الأوراق وإطلاق الشعارات المطاطة، وتغذية الفوضى.
الحديث عن السيناريوهات المحتملة لما يمكن أن يحدث للمملكة الأردنية في ظل انفلات عقال الإخوان هناك، حديث محسوم النهايات بتلقي الإخوان المسلمين في نهاية المطاف، ضربة قاصمة لن تقوم لهم من بعدها قائمة. وكل ما نشاهده اليوم من فوضى، ما هو إلا تكرار حرفي لذات التجارب السابقة. وما أشبه اليوم بالبارحة، اللهم إلا باختلاف الزمان والمكان والشخوص لا أكثر.. وهذا ما يجعل النهايات تشبه بعضها بعضاً أيضاً.
اليوم وبعد أن مُسحت غزة من على وجه الأرض، ما هي خطة إخوان الأردن يا ترى وحماس أيضاً تجاه غزة ما دام الشعار الأبرز الذي رُفِع لإشعال فتيل المظاهرات في عمان كان غزة وأهل غزة؟ وهو السؤال الواجب على الإخوان المسلمين بكافة فروعهم وخصوصاً أعضاء حركة حماس طرحه على أنفسهم قبل غيرهم إن لم يكن بهدف الإجابة عليه، فبهدف التأمل على أقل تقدير. لأن الشعارات الكبرى والتي تبنى على الوهم سرعان ما تتحول إلى مستنقعات ليس من السهل السيطرة عليها ولا الخروج منها بسلامة الوفاض إن تحققت على أرض الواقع.. ولنا في طوفان الأقصى مثال جيد على بناء الطموحات على الوهم والخداع للنفس قبل الآخر. لتأتي بعد ذلك التداعيات أكثر قسوة بمصداقيتها وصورها وأرقامها. وعليهم أيضاً في ذات السياق، أن يبينوا للناس في غزة وغيرها، ما الذي تحقق من كل ذلك. فمن المهم أن يعرف الجميع أين يختبئ الانتصار في معادلة تسببت بمقتل أكثر من 33037 إنساناً، وبجرح ما يفوق 75668. وأن يذكروا بالمقابل كم عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تم تحريرهم من سجون الاحتلال لغاية اليوم؟ ناهيك عن حجم الدمار الذي لحق بالمؤسسات والناس وكمية الجوع والعطش وقسوة الحصار. ليعرف المواطن الفلسطيني قبل غيره أين يقف وسط هذه العاصفة.
ما يحدث في العاصمة الأردنية عمّان من استغلال للظروف الاجتماعية والإنسانية هناك، واستغلالها كخاصرة رخوة لزعزعة أمن الأردن واستقراره، مناورة باهتة تشبه غيرها من المغامرات الإخوانية التي انتهت بما لا يشتهيه ولا يتمناه الإخوان المسلمون في الماضي القريب وللتاريخ شواهده وللواقع كلمته.
00:31 | 8-04-2024
الترفيه وما أدراك ما الترفيه
منذ ما يزيد على أربع سنوات مضت، وماكنة هيئة الترفيه تعمل ليلاً ونهاراً في سبيل تغيير واقع حال بلد عانى شعبه وساكنوه لعقود طويلة من غياب مظاهر وآليات الترفيه الوطنية، وانعدام الأطر المؤسسية والإدارية والقانونية المنظمة والحاضنة لمثل هذه الأنشطة. فانطلقت الهيئة في عملها مستندة على خطط وأهداف واضحة تتماشى مع حاجات البلد، وتعبّر عنه وعن مسار رؤية 2030 على المستوى الوطني والإقليمي. لتساهم بشكل مباشر في تحويل المملكة خلال فترة وجيزة، إلى نقطة جذب وحراك لا يهدأ. ولا يخفى على أحد أن ما تم إنجازه خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً من حياة الشعوب، يعد إنجازاً يدرس وثورة حضارية، نقلت الواقع من مكان إلى مكان آخر تماماً، لم يكن ضمن دائرة الحلم حتى، لا محلياً ولا إقليمياً ولا عالمياً، الأمر الذي يفسر حجم الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المملكة بشكل عام، وهيئة الترفيه بشكل خاص، وقائدها معالي المستشار تركي آل الشيخ بشكل شخصي.
ما بين جبهة الإنجازات وجبهة الهجمات المرتدة من المستائين والشتامين، ثمة مسألة لم ينتبه لها أحد ربما، تتطلب التأمل بما وراء ما يحدث في المملكة من حراك وأنشطة وفعاليات على اختلاف أشكالها في هذا التوقيت بالذات. لأن المسألة حتماً لا تنحصر في حدود مبيعات التذاكر وحشد الجماهير والزوار واستقطاب الفنانين والنجوم فحسب.. بل إن المسألة تنطوي أيضاً على أبعاد أخرى أكثر عمقاً وتأثيراً وأهمية، ترتبط بشكل مباشر بظروف الفن والثقافة والرياضة في بلدانها التي يواجه أغلبها تحديات وأزمات سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية خانقة ومتشعبة، كفيلة بجعل الاهتمام بمسألة الأدب والفن والمسرح والرياضة، أموراً ثانوية أمام قلق أفراد المجتمع من تهديدات مستمرة ومباشرة لحياتهم ومصير أولادهم. ومما لا شك فيه أن حال الفنانين والأدباء والرياضيين على مختلف تخصصاتهم، ليس على ما يرام في ظروف كهذه، باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من واقع بلدانهم المتعب والمتأزم. ليأتي دور هيئة الترفيه في المملكة صناعة بيئة إنقاذ حقيقية وجذب لكل من وجد نفسه وإنتاجه الفني تحت تهديد الظروف الصعبة في بلده، ولنا أن نتخيل ما يمكن أن يؤول له واقع الفن والأدب والموسيقى والمسرح في حال لم تخلق السعودية وهيئة الترفيه بيئة مناسبة وسليمة وداعمة لكل ذلك.
عمليات التنوير الكبرى ليست بالعمل السهل، ولا يمكن رصد آثارها على المدى القصير، وإنما هي عمليات تفاعلية وتراكمية ضخمة ومعقدة يمكن رصدها حين تصبح موقفاً تاريخياً، وبعداً حضارياً يمكن تفسيره من خلال ما تركه في حياة الشعوب من أثر واضح. تماماً كما حدث مع الحضارة العربية ودورها الإنساني الذي لعبته تاريخياً، فكانت حلقة وصل بين عصور الظلام وعصور التنوير فيما بعد، بشكل أنقذ التاريخ البشري ومساراته من القطيعة والانفصال، وردم هوة ضخمة في التاريخ البشري.
سيمر التاريخ وسيكتشف المستاؤون والشتامون ومن سيأتي من بعدهم، أن ما يحدث اليوم في المملكة في كافة المجالات والأنشطة في ظل توجيهات ومباركة خادم الحرمين الشريفين وقيادة أمير التفاصيل الدقيقة وعرّاب التغيير الحقيقي الأمير محمد بن سلمان، هو بمثابة حلقة الوصل الحضارية بين ما قبل وما بعد.. وسيكتشف دارسو الحضارة أن الأنشطة السعودية الحالية في مجال الترفيه على سبيل المثال لا الحصر ما هي إلا جسر إنقاذ حضاري لما يمكن إنقاذه، سيؤتي أكله في المستقبل.
00:00 | 7-02-2024
ديموقراطية الشعب العنيد
مهما ارتفع الضجيج السياسي في لبنان.. ومهما برع منظرو الطوائف والتيارات في تبرير وتأويل مواقفهم السياسية وجعلها أكثر منطقية تجاه المتغيرات، فكل ذلك لا قيمة له حين لا تذهب النتائج بعيداً عن سابق عهدها شكلاً ومضموناً.. فلا يطال التغيير على سبيل المثال جوهر المشكلة، ولا يضع آليات حل جديدة. ليبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يشاء الله.
إعادة انتخاب السيد نبيه بري (مواليد يناير 1938) رئيساً للبرلمان، مثال على أن الإيمان بقداسة القناعات والخيارات السياسية وحصانتها يفوق بأهميته النتائج وأثرها على البلاد والعباد. ليتضح بذلك عمق الأزمة على مستوى الطائفة أو الحزب حتى. فتعجز حركة أمل على سبيل المثال لا الحصر بكل كوادرها وقياداتها وأجيالها وأفكارها السياسية والطائفية، تعجز عن تقديم خيار جديد غير الرئيس بري ليتسلم قيادة البرلمان من باب تطوير الذات ومواكبة الاستحقاقات الزمنية والوظيفية لهذا المنصب. فلا تكون خيارات الإقطاع السياسي أكثر أهمية من استحقاقات العمل البرلماني ومواكبة وعثاء قيادته ومشاكله وتلبية متطلباته التي تحتاج إلى قدرات جسدية ونفسية وذهنية أقرب بعمرها إلى العصر منه إلى التاريخ.
في فضاء سياسي كالفضاء اللبناني، كل ذلك لا قيمة له حتى وإن كانت نتائج الانتخابات الأخيرة مختلفة بعض الشيء عن سابق عهدها.. فالمصباح السحري القادر على تغيير ما يسود البلاد من أزمات لم يجده أحد بعد.. لأن الواقع السياسي يقول إن ما يخرج من الباب يعود من الشباك، لكنه يعود بثبات وبتكتيكات أكثر تعقيداً من السابق. فلا القوى السياسية المهيمنة بسلاحها وبتاريخها وبنظرياتها ولا مناصروها يؤمنون بمبدأ التغيير ولا أهميته. ويكفي لأي طرف أن يرفض أو يتعنت في موقفه أو خياراته ليصبح الطرف الآخر بالمقابل أكثر تعنتاً وإصراراً في فرض موقفه على الآخر بالسلاح أو بغير السلاح. وهذا ما يجعل النتائج تأتي متشنجة صلبة لا تعكس التغيير لا قولاً ولا فعلاً. بل وحتى إن كانت تلك الخيارات غير مناسبة للدور المناط بها بالمعنى التقني البحت.
أزمة الديموقراطية وجمالها ربما أنها وسيلة لإعادة إنتاج وعي الشارع، بما ينعكس سلباً أو إيجاباً على الواقع الذي يعيشه أي بلد يذهب سكانه بين الفينة والأخرى إلى صناديق الاقتراع، بهدف اختيار من يمثلهم في تقرير مصيرهم. فالطائفي والقبلي والراديكالي والليبرالي واللاديني والاشتراكي والحزبي وغيرهم لن ينفصلوا عن خياراتهم ما لم يكن الوعي حاضراً ومؤثراً في فضاء القواسم المشتركة بين أبناء الوطن الواحد. فما إن ينتهي الفرز وتتضح الأسماء التي وقع عليها الاختيار، حتى تصبح قراءة أفكار الشارع وتوجهاته وسلوكياته واضحة وسهلة أمام المراقبين. وفي هذا الإطار فإن عودة الرئيس بري لقيادة البرلمان في دورته الجديدة بعد ثلاثين سنة من البقاء في ذات المنصب، دليل على عمق التشوهات السياسية التي يعاني منها لبنان، الذي طالما تغنى سياسيوه بالديموقراطية والحرية وإرادة التغيير.
كل المؤشرات اللبنانية تدل على أن الفضاء السياسي لم يشف من داء الحرب ولغة المحاور بعد. بل ولن يشفى منها في القريب العاجل كما يعتقد البعض. ويخطئ من يعتقد أن ثمة فرقا كبيرا بين لبنان اليوم ولبنان الحرب الأهلية. اللهم إلا أن العوامل الإقليمية والأنظمة الثورية التي كانت تشجع كل فئة على رفع السلاح وخوض الحرب ضد أبناء الوطن الواحد، لم تعد موجودة أو لم تعد فاعلة كما كانت ما قبل الحرب الأهلية وخلالها. غير أن النوايا لم تغتسل بعد من خطيئة الدم والثأر، بل إنها أقرب للضغط على الزناد منها إلى إشعال شموع التفاؤل بالتغيير المأمول وتحقيقه.
01:10 | 6-06-2022
القرداحي متحولاً
لم تكن جولة مقدم برامج المسابقات اللبناني جورج قرداحي وصوره ولقاءاته في العراق وليدة صدفة عابرة، تستدعي صدمة بعض الأوساط المحلية التي نظرت له ولغيره في يوم من الأيام على أنهم رهانات واستثمارات رابحة. فالانقلابات بالمواقف أمر اعتاد عليه سماسرة الإعلام العرب، ممن يظهرون عكس ما يبطنون؛ انطلاقاً من مبدأ البيع والشراء.
ففي مقاييسهم، إن الجلوس مع المسؤولين الرسميين للدول يشبه الجلوس مع مسؤولي المليشيات ومنظمات الإرهاب. ففي منطق الباعة المتجولين لا فرق بين المتناقضات.. ما دامت قاعدتهم بالحياة تقول «أنا لمن يدفع أكثر».
شخصياً لست في صف المصدومين مما يقوم به قرداحي أو غيره ممن انقلب على عقبيه، بعد أن امتلأت حساباتهم البنكية بما لذ وطاب من أموال ومكافآت لا يستحقونها. وبعد أن قضوا سنوات من التأثير سلباً على حركة ومنهجية الإعلام السعودي وطرحه، فحين يؤتى بغير المؤهلين لا أكاديمياً ولا أخلاقياً ولا على مستوى الخبرات والتراكمات الزمنية والإنجازات، ويوضع في غير محله المستحق، وجب عدم الندم إن كانت الخيارات خاذلة. ولا علاقة للقدر بالموضوع كي يلعن ليل نهار حين يذهب الاستثمار في خبراء الغفلة أدراج الرياح، وينقلبون بمواقفهم وتوجهاتهم.
ما يقوم به القرداحي اليوم هو نشاط استفزازي للشارع السعودي بالدرجة الأولى لا أكثر، ورسالة إلى المؤسسات الإعلامية السعودية مفادها أنكم لا تستطيعون تقييد حركتي ولا نشاطي ولا التأثير على خياراتي، ما دمتم لا تقبلون بي في مؤسساتكم، ولا تضعونني ضمن خططكم الحالية أو المستقبلية. لذا فإنني على استعداد للذهاب إلى الجبهة الأخرى ضدكم. وهذا هو منطق بائعي الشنطة فحسب..
أزمة هؤلاء أنهم ينطلقون من وهم راسخ أنهم نجوم بحجم يضاهي حجم دول بحكومتها وشعوبها. نظراً لحجم الاستثمار المادي والمعنوي والاهتمام الخيالي الذي وضع بهم.. الأمر الذي جعلهم يظهرون بين الفينة والأخرى بهيئة مضحكة أمام الملأ كمنجزات حضارية على هيئة بشرية، غير مدركين حجم الخلل الذي يعيشونه. لذا فلا غرابة لو شاهدنا عجزهم في إعادة إنتاج ذاتهم كخبراء إعلاميين أو سياسيين أو كمقدمي برامج حتى خارج أطر مليشيات تعاني من أزمات داخلية وخارجية معقدة تجعلها مستثمرة بالماضوية التاريخية وتحاول إعادة إنتاج المخلّفات الإعلامية وغير الإعلامية – والقرداحي نموذجاً.
ما يحدث يعد درساً مهماً في منطق الرهانات؛ لإن انقلاب قرداحي وغيره هو نتاج معركة إدارية تدور رحاها بين تيار مناصر للخبراء العرب بأي ثمن بلا إطار فكري أو علمي أو ثقافي وبلا سقف، وبين تيار مناصر للكوادر الوطنية ظالمة كانت أو مظلومة. مما أدى إلى ارتباك القرار والخيارات ومنهجية العمل. الأمر الذي رجّح احتمال غرق أية مؤسسة في الإعلام وخارجه ما إن مالت كفت المركب لجهة دون غيرها. فكلا الطرفين يستند على موقف طوباوي غير عقلاني؛ لذلك تأتي بعض القرارات ساذجة وبنتائج معاكسه للأهداف التي وضعت من أجلها.
في حلبة الرهانات بمعناها المبسط تربح الرهانات الذكية التي تستثمر بالقوي الأمين. ولا يهم إن كان عربياً أو غربياً أو وطنياً.. استناداً على معاير العلم والمعرفة والكفاءة والإنجاز والخبرات.. دون أن يغفل الجانب السياسي والأخلاقي لأحد، وهذا ما يخفف على أقل تقدير حدة الصدمات التي تأتي على هيئة جورج قرداحي وديانا مقلد وأمثالهم.
ففي النهاية ليس كل الإعلاميين العرب في مؤسساتنا وخارجها هم جورج قرداحي، وليس كل الكوادر الوطنية خارقة للعادة وسابقة للتاريخ والعصر.. فما بين هذا وذاك يبقى معيار المهنية والتميز والإنجاز بوصلة لا تخدع صاحبها ولا تخذله. وما أكثر الأسماء الوطنية والعربية والعالمية المشرفة، الجديرة بالاستثمار والدعم والاحتضان كأمثلة يحتذى بها وهذا المبدأ من روح رؤية 2030.
00:12 | 30-05-2022
حكاية حسن
من أبرز ملامح التيارات الفكرية المتشددة.. أنها شرائح مغلقة على فئويتها وقداسة موروثها.. تستفزها أية محاولة قد تطال ما تراه ثابتاً وجودياً يميزها كفئة أو طائفة أو حزب عن غيرها من الشرائح الأخرى. وسواء جاءت تلك المحاولة على شكل تساؤل أو سرد لتفاصل تجربة أو معايشة واقع اجتماعي مغلق غير معلن التفاصيل، فإن حالة من الاستنفار تسيطر على مراكز القوة داخل هذه الشريحة، وتدفعها لرفع حالة التأهب القصوى، وتؤلب الجماهير كجزء من استراتيجيتها ضد كل ما تعده هزائم محتملة في ميادين الصراعات الإنسانية المزمنة. والهزيمة بكل الأحوال أمر غير محبذ حتى إن كان المهزوم هو الوهم، والعقل هو المنتصر.
ما تعرض له الزميل والصديق حسن المصطفى من تقريع وتخوين ليس بالأمر الجديد، بل ربما يتطور فيما بعد، لا سمح الله، فيتعرض هو أو عائلته إلى اعتداء مشابه لتلك الاعتداءات التي طالت أغلب الباحثين في ميادين المسكوت عنه. فالتجربة التاريخية، وميدان البحث ونوعية الأطراف المنزعجة كلها توحي بأن التاريخ في هذه المسألة يعيد نفسه.
فتح الصندوق الأسود للسلفية والحركية الشيعية اليوم، والبحث في تفاصيل المسكوت عنه، لا يختلف عن فتح الصندوق الأسود للسلفية والحركية السنية من قبل. فما إن بدأ بعض الباحثين بتناول الموروث الثقافي السني بالبحث والغربلة وإعادة التقييم، حتى نشطت فتاوى التكفير والقتل والإخراج من الملة والتخوين، وأمسى الإرهاب والاعتداء الجسدي والنفسي والاجتماعي خبط عشواء، أدخل الحابل بالنابل.. وبات المجتمع السني قبل غيره يعيش حالة من القلق وعدم اليقين في دينه ودنياه.
سلطة الكهنوت المتطرف بفئويته، والممتهن للسياسة، في عداء مستمر مع العقل. يصر أعضاؤها على العمل خارج سياقات الشفافية والوضوح. وهم الأكثر رفضاً للحوار والنقاش.. والأكثر حرصاً على التوجه بالنقد إلى المؤسسات العامة الرسمية المدنية والدينية والطعن بمخرجاتها. والأكثر مزايدة في القطيعة مع الآخر، الشريك في الدين والوطن والمصير والجغرافيا ورابطة الدم، ورفع شعارات الويل والثبور ضد أية محاولة للتقارب. لأن قيم التعايش كفيلة بنزع فتيل أية أزمة أو صدام أو خلاف بين الأضداد.. وهذا ما لا يريده ويتمناه طابور المتطرفين. فمهما تباينت توجهاتهم الفكرية، فهم واحد على مستوى الخطاب والسلوك والأهداف. يحتاجون لبعضهم حاجة وجودية، يعزز كل طرف منهم سلطته من خلال تعزيزه لسلطة نقيضه. وهذا ما يكسبهم شرعية وقبولاً شعبياً بصفتهم الحامين لحمى الطائفة أو الجماعة أو الحزب، والمتحكمين بمصائر الناس، المحصنين من سلطة السؤال والمحاسبة.
ما لا يعيه البعض أن الكثير من الجعجعة الطائفية أكبر وأغلى ثمناً من الطحين! وبالتالي على الجميع أن يسأل نفسه: ماذا لو ظل باب البحث في المحاذير السلفية والحركية السنية ونقدها مغلقاً؟ هل كان للمجتمع أن يصل إلى نتيجة واضحة يدين من خلالها داعش والقاعدة وغيرها من الحركات المتطرفة؟ هل كان للناس أن يحموا أبناءهم من الموت في معارك عبثية وعمليات انتحارية ما أنزل الله بها من سلطان؟ وعليه فما الفارق بين صناديق الموروث المغلقة سنية كانت أم شيعية؟ ولماذا يجب المساس بواحدة دون غيرها ما دمنا ندرك أن معصومية الطائفة وقداسة موروثها قضية خاسرة وغير واقعية لم تجن من ورائها المجتمعات غير المزيد من البشاعات وترسيخ لفكرة إقطاع ديني مشبوه وضياع للحقوق وعنف مستمر ودعم لحركات متطرفة.
حكاية حسن أنه لم يخن الأمانة المذهبية لمجتمعه الشيعي كما يسوق البعض، إنما مارس حقه بالتساؤل والفرز بين النقائض بالتمعن والاستقراء والاستنباط والاستنتاج. فالعقل لا ينقسم على نفسه انقساماً طائفياً أو عرقياً أو دينياً. وإنما يقف على مسافة نقدية واحدة بين النقائض في سبيل مقاربة الحقائق والتعايش بسلام.. بعيداً عن الفئوية التي تجتزئ الحقائق فتعطي الحق كله لفئة وتمنعه كله عن الفئة الأخرى.
23:55 | 29-01-2022
الدكتور الصويان وسيكولوجية القبيلة
ما أثاره دكتور الانثربولوجي سعد الصويان في برنامج الصورة مع عبد الله المديفر، حول القبيلة ونهايتها، أمر مهم. نظراً لما تنطوي عليه هذه القضية من حساسيات وإشكاليات، تمس شريحة واسعة من قاطني شبه الجزيرة العربية، وأجزاء من العالم العربي وليس المملكة حصراً. ولعل أهمية البحث هنا تفرضه حجم المتغيرات التي تواجهها المجتمعات البشرية بشكل عام. وضرورة إعادة تأسيس الفهم لمسائل كثيرة من بينها مسألة القبيلة وقضاياها، بشكل علمي أكثر دقة وعمقاً من الطرح المختزل.
الدكتور الصويان حقيقة لم يشتم القبيلة ولا المنتسبين لها، ليطعن به البعض. فالمسألة برمتها لم تتجاوز كونها رأياً عابراً يرد عليه بالرأي والنقاش وطرح الأسئلة.. وفي ميدان الآراء قد يطرح أكاديميون كثر غيره ما هو أقسى من ذلك بكثير.
إن نظام القبيلة مرتبط بتكوين الشخصية العربية ووجدانها ووجودها وقيمها وثقافتها منذ نشأة المجتمعات العربية ولغاية اليوم. وشكل ذلك النظام قاعدة سلوك راسخة تحكم وتنظم العلاقات بين الفرد والجماعة. ووهبهم القدرة على البقاء لقرون، ليس في ظل الحروب والمعارك فحسب، بل أمام كافة التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي مرت بها شبه الجزيرة العربية. فالقبيلة لم تنشأ كرد فعل على حروب عالمية أو حرب باردة بين معسكرات شرقية وغربية! وبالتالي تصبح فرضية موتها ككيان - بما له وما عليه - أمراً حتمياً أو واجباً، مستندين على اختفاء أسباب النشوء. لأن القبيلة نظام قائم على عدة عوامل مترابطة ومعقدة، ليس من السهل ولا من الدقة العلمية حصرها بعامل بيلوجي كالعرق والنسب، أو عامل وظيفي كحماية الفرد من الأخطار. بالرغم من أن هذين العاملين ظلا يؤثران في مسائل السياسة والثقافة والمعرفة وتقسيم الأدوار في مجتمع القبيلة بما يشمل السلم والحرب.. وامتد ذلك التأثير إلى تفاصيل النظام الاقتصادي، ليحدد أنساب الخيل والإبل والأغنام، ويفرض أعراف وقيم رعايتها والحفاظ على سلالاتها. الكنز الذي اكتشفه بعض المستشرقين وطوروه ليصبح فيما بعد أساساً معرفياً عالمياً لأنساب الخيل العربية الأصيلة على سبيل المثال لا الحصر. ولو ذهبنا إلى التاريخ لاكتشفنا عمق ذلك التأثير في ذهنية ونفسية الشخصية العربية إلى حد قيام معركة بحجم «ذي قار» في سبيل ذلك.
لا شك أن «القبيلة تلاشت كمؤسسة تنظيمية، لكنها ما زالت حاضرة كنظام رمزي محدد وموجه للقيم والتصورات والممارسات» كما يقول عبد الرحيم العطري. وكان هذا التخلي لصالح الدولة وأنظمتها بلا شك بصفتها دائرة وحدوية أكثر اتساعاً وتشمل كل المكونات الاجتماعية التي تنطوي تحت سقفها. غير أن مشروع الدولة لم يكن يوماً من الأيام مشروعاً موازياً للقبيلة، ولا منافساً لها بحكم اختلاف الأدوار والمكونات والأدوات والأهداف بينهما. وبالتالي فليس من وظيفة الدولة ولا القبيلة تغليب ملمح اجتماعي معين كلهجة أو لباس أو فن أو سلوك أو ما يسمى (بسلم قبلي) محدد، ومن ثم اعتماده أو فرضه بشكله الإثني على بقية المكونات الشعبية، مجسداً بشكل منفرد هوية الوطن أو ممثلاً للدولة الرسمية! لأننا هنا ندفع كافة المكونات الاجتماعية الأخرى نحو هدم أطر ومكونات ثقافية جامعة، ومعززة لكيان الدولة نفسها وتميزها واستقرار أمنها، واستبداله بصدام هويات. محاكين بذلك نهج الصحوة في تقديس نموذجها ومحاولات فرضه لوحده ممثلاً للوطن والدولة وأنظمتها، مقابل إلغاء كل النماذج الأخرى، فانتهى المطاف بالعالم وبنا على وجه الخصوص مهددين بحروب عشوائية مقدسة يقودها متطرفون يختزلون الدين بأحكام قطعية.
السلوكيات والمظاهر السلبية مرفوضة على عمومها سواء اتخذت من القبيلة غطاء لها أم لا. وهذا لا يعني نسف خصوصية أية شريحة بشرية ضخمة. كما أن قصيدة غاضبة عن البدو كقصيدة الشاعر بديوي الوقداني ليست دليلاً علمياً قطعياً يعتمد عليه في البحث، ولا دستوراً سياسياً يتبع، وإلا لأصبحت قصائد المتنبي في كافور الأخشيدي ومساجلات الفرزدق وجرير.. وحتى مظفر النواب مراجع علمية وسياسية وقانونية.
23:11 | 15-01-2022
مكة الوجه الآخر
لا توجد مدينة حول العالم تمتع بالمواصفات التي تتمتع بها مكة المكرمة من حيث الخصوصية والأهمية التاريخية. فالحج إليها هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وأداؤه واجب على كل مسلم بالغ مقتدر. وهذا ما يجعل العاصمة المقدسة مرتبطة بصلب العقيدة الإسلامية وكل من يدينون بها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. يتوافدون إليها بأعداد ضخمة ستصل إلى 30 مليون زائر وفقاً لما تطمح إليه رؤية 2030.. سواء جاء الزائر ليؤدي مناسكه لأيام معدودة أو لأكثر من ذلك، فإنه بحاجة إلى العديد من الخدمات الحيوية متحملاً تكاليف ذلك. الأمر الذي يجعل الحجاج والمعتمرين بذات الوقت عامل تأثير اقتصادي وثقافي واجتماعي مهم على المدينة بشكل خاص وعلى المملكة بشكل عام.
زرت العاصمة المقدسة خلال الأسابيع الماضية لمدة 4 أيام سائحاً ومعتمراً أشبه غيري ممن يحتاجون لخدمات يعد توفرها مطلباً مهماً في أية مدينة عالمية. ولم يكن بالأمر الصعب اكتشاف حجم الهوة بين سلوك القطاع الخاص هناك وبين ما تقوم به الدولة من مشاريع مبهرة تسابق من خلالها الزمن وسط تحديات كثيرة، أبرزها الأعداد الضخمة للحجاج والمعتمرين حتى خلال جائحة كورونا، ومواعيد أداء المناسك التي لا تتغير، وتأمين احتياجات ملايين الحجاج من أمن وسلامة وطبابة وسهولة حركة وتدفق بين المشاعر المقدسة بأوقات ضيقة. حيث تنتشر ورش العمل في كل مكان وتعمل على قدم وساق دون أن تتوقف المناسك أو تتأثر سلباً بذلك. وهذا ما يعد إنجازاً ونموذجاً حضارياً يحتذى به.
على الجهة الأخرى تغرد أغلب مؤسسات القطاع الخاص خارج دائرة طموح الدولة وخططها. بل وربما خارج أدنى إحساس بأهمية المدينة وحساسية وجود الأعداد الضخمة للزائرين. فوعي وثقافة أغلب تلك المؤسسات لا يتعدى إطار ربحيتهم المضمونة من خلال حاجة الزائرين الملحة للخدمات. وبالتالي فإن فكرة تطوير الخدمات والمنتجات بشكل يرتقي أو يليق بزوار هذه المدينة وبالدولة بشكل عام، باتت معدومة أو مسألة ثانوياً على أقل تقدير.
مبانٍ تحتل مواقع استراتيجية تفوق قيمتها مئات الملايين بواجهات يتخيل لك حين تراها أو تدخلها أنك تدخل عشوائيات في أحد بلدان العالم الثالث، لبشاعتها وسوء منظرها وانعدام نظافتها. هذا بالإضافة إلى أسواق ومتاجر ومطاعم ومقاهي تفتقد لمستوى الجودة المقبول بل ولا يتمتع أغلب عمالتها بحسن معاملة الزائر وتجنب استغلاله مادياً بغض النظر عن هويته أو مكانته غنياً كان أو فقيراً، جاهلاً أو متعلماً. مروراً بسيارات أجرة تفتقد لأبسط أنواع الأمن والسلامة والنظافة، لا يجد الزائر فيها خارطة سياحية تدله على أبرز المعالم التي توضح ثقافة البلد وأهله على أقل تقدير.. ناهيك عن سائقين يفتقدون للتعليم والخبرة والمعرفة اللازمة لأداء دورهم بشكل يليق، أمام أسعار خيالية غير ثابتة تفوق المستوى المنطقي والقانوني.
على مؤسسات القطاع الخاص وملاكها أن يدركوا دورهم كشريك في عملية التنمية. وأن تحسين ما يقدمونه من خدمات ومنتجات ليس خياراً شخصياً، بل هو واجب أخلاقي ووطني غير مكلف أمام ما يجنونه من أرباح. وأن سلوك بعضهم يعد مساهمة فعلية في تجسيد حالة من التشوه البصري والنفسي والثقافي، غير مبرر أمام أعين الزوار. فكل من يأتي هو سفير لوطنه ينقل ما شاهده إلى عائلته ومجتمعه، شفوياً أو من خلال جهازه الذكي مؤرخاً تجربته التي لا تتكرر بالضرورة سلبية كانت أو إيجابية.
العاصمة المقدسة حالة ثقافية فريدة من نوعها وتفاصيلها. تشكل الواجهة الإسلامية الأهم والأكثر قدرة على تكوين صورة ذهنية جيدة عن الإسلام وأهله وعن المملكة بشكل خاص أمام العالم بأقل التكاليف والكيفية والوقت.
23:51 | 4-01-2022
لبنان والمنهج العبثي
الضجة التي أثارتها تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول الحرب في اليمن، لم تكن وليدة لحظة عاطفية أو إنسانية مثالية هدفها رفض لغة الحروب وسلوكها من حيث المبدأ والعموم.. ولا إيماناً بالسلام كما يفعل القديسون عادة. الموقف بكل بساطة مقصود وواضح يهدف لخلط الأوراق على المستوى الشعبي، وإشعال فتيل الأزمات ورفع أدرينالين المنطقة سياسياً وإعلامياً وزيادة في عزل كل المناطق التي باتت تحت سطوة أذرع خارجية عن محيطها العربي وفي مقدمتها بيروت. ويأتي ذلك من خلال إحراج التيارات المعتدلة بالداخل اللبناني والضغط على جموع اللبنانيين العاملين في الخليج طلباً للرزق والعيش الكريم بعد أن ذهبت مدخراتهم أدراج الرياح..
التصريحات لم تأت بجديد، لأنها متسقة مع الإطار السياسي الذي تدور في فلكه السياسة اللبنانية منذ أن هيمن المشروع الخارجي على إرادة البلد من خلال حزب الله. فأصبحت القطيعة مع الآخر ركيزة أساسية وثقافة عامة مقبولة، يدعمها خطاب قديم انتشر على يد يسار عربي طالما برر فشله بإشباع كل من يختلف معه شتماً وقذفاً في مقدمتهم المملكة، حتى تشربته أجيال متعاقبة لا ترى في الكيان الخليجي والسعودي على وجه الخصوص اليوم أكثر من العبثية والفساد والرجعية وامتداد للإمبريالية!
عقود من التنظير والخطابات العنترية والشعارات الكاذبة أنتجت شعوبا مشوشة لا تقوى اليوم على فهم عمق الصراع بالمنطقة، ولا تستطيع التفرقة بين المشروع الطائفي الخارجي والموقف السعودي الرافض للتلاعب بعدادات المنطقة وملفاتها السياسية والأمنية والإنسانية. وهذا ما يجعل المملكة تحت مرمى النيران من قبل أبناء المشروع الخارجي سواء بالمفخخات والمخدرات والتصريحات العبثية والأوصاف الطائفية التي لا تمت للواقع بصلة.
العبثية في حقيقة الأمر هي أن تستمر الصورة النمطية الخادعة لدى البعض عن المملكة بأنها بلد هامشي لا يعرف كيف يتصرف. بل وأن يستهان به إلى درجة أن يرى مقدم مسابقات في نفسه القدرة والكفاءة على توجيه بوصلة السياسة الخارجية للمملكة وانتقادها. والعبثية هي أن يفتقد الوزراء للغة الدبلوماسية والعقلانية فلا يعرفون كيفية ولا أهمية الابتعاد عن التدخل في شأن خارجي لا يعنيهم ولا يعني الدولة التي يمثلونها. بل ولا يفقهون أبجديات العمل السياسي في مراعاة مصالح طابور عريض من مواطنيهم الهاربين إلى الخليج بحثاً عن العمل والعيش بسلام. والذين قد يصبحون اليوم في وجه المدفع دون أن يكون لهم ذنب في ما يحدث.
العبثية هي أن يقدم وزير إعلام حكماً قطعياً بعبثية الحرب وهو يعلم علم اليقين أنه يحاول بذلك التلاعب بإحداثيات الواقع المرير الذي تعيشه المنطقة بسبب التمدد الخارجي. والعبثية هي محاولة التسويق لثقافة المنظمات المسلحة وسلوكها في تهديد مدنية الدولة وسلمها الاجتماعى ومحيطها الإقليمي بقوة السلاح والمخدرات تحت شعارات كبرى تتحدث عن الإنسانية والعروبة.
العبثية هي ألا يرى معالي الوزير أن القاسم المشترك بين كافة العواصم العربية التي بلغها المشروع الطائفي الخارجي هو الخراب والدمار والتفكك وضياع المدخرات. وأن ما تقدمه تلك الدولة المارقة من مساعدات وبواخر (مازوت ومحروقات) لا يشكل إلا نسبة ضئيلة مما يتم نهبه من خيرات البلدان العربية وفي مقدمتها العراق.
بالنهاية ومهما ارتفعت ثورية الشعارات حول الكرامة وحماية الطائفة وغيرها من حملات التراشق بالأوصاف النابية والشتائم والعنتريات، فإن كل المؤشرات تقول بأن فاتورة العبثية اليوم لن يكون ثمنها رخيصاً على لبنان حكومة وشعباً ولا على معالي الوزير نفسه الذي كان يحظى بالإعلام السعودي بما لم يحظ به أي إعلامي آخر أكثر أهمية وعمقاً ورزانة. ولولا المكتسبات المالية التي كان يحظى بها من المؤسسات السعودية، لما كان باستطاعته اليوم شحن هاتفه الخليوي حتى وهو تحت قبة الوزارة.
23:48 | 1-11-2021
اقرأ المزيد