-A +A
جارح بن فارس
تُعد الأزمات من مقاييس الدول والحكومات حيثُ تجدُ فيها مراكز التحليل الاستراتيجي واستخبارات الدول مشهداً بانورامياً يعكسُ لها خفايا المجتمعات خصوصاً في زمن الفضاء الإلكتروني المفتوح والتطبيقات المختلفة لمنصات التواصل الاجتماعي. تلك الأدوات تساعد الشعوب، ولو بشكل يسير، على التعبير عن الرأي وفضح الفساد ومراقبة الحكومات وربما الأهم في ذلك هو فحص علاقة الشعوب مع حكوماتها وقياس مدى صلابتها أو هشاشتها، وهل تلك العلاقة في تطور إيجابي أم عكس ذلك. سنتناول تناقض التصريحات التي أدلى بها أعضاء حكومة الرئيس الديمقراطي جو بايدن ومآرب ذلك.

ترشح بايدن وكعادة أسلافه، في الفترات الرئاسية الخمس السابقة، تناول المملكة العربية السعودية كهدف من أهداف السياسة الخارجية. حيث شملت أهداف الرؤساء السابقين تقييم دور المملكة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م والذي نفته المملكة في حينها، على لسان سفيرها في واشنطن الأمير بندر بن سلطان. تلا ذلك التلويح بنشر تقرير الاستخبارات الأمريكية عن ذلك الدور المزعوم، وفعلاً نشر ذلك التقرير مع حجب 21 صفحة كورقة ضغط على المملكة وأداة جذب للإعلام العالمي، إلا أن وزير الخارجية السعودي آنذاك الأمير سعود الفيصل تحدى وطالب بنشرها وقال لا يوجد ما يخيفنا في تلك الورقات أو يديننا. وبعد ذلك جاء قانون جاستا والتلويح به من أجل فرض تعويضات لضحايا تفجيرات أبراج التجارة العالمية عام 2001م وأهاليهم. وأخيراً طالب أعضاء في الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي بضرورة نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية حول الدور المزعوم لولي عهد المملكة العربية السعودية في حادثة جمال خاشقجي عام 2018م وكعادة القيادة السياسية طالب سمو ولي العهد بنشر التقرير. وبالفعل نشر التقرير وظهر اعتماده على الظنون والتأويلات التي تفتقر للدليل والمصداقية ولا يستحق الحديث عنه.


الابتزاز السياسي مصطلح متعارف عليه ويجيد الأمريكان استخدامه بحرفية عالية فتجدهم يصرحون إعلامياً ويلوحون بفرض العقوبات وتوجيه الضربات مستخدمين أوراق ضغط يجعجع بها الإعلام العالمي لفترات زمنية مختلفة حيث ينتشي بها أصحاب المصالح ثم تجدهم يتفاوضون من تحت الطاولة متناسين ما ظهر إعلامياً. وهناك أمثلة كثيرة منها الشكوك في امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والتي أدت لغزو العراق استناداً على تقارير استخباراتية خاطئة «حسب زعمهم» حيث تم تدميره وأعلنت أمريكا رفضها لأي تدخل إيراني في شؤونه وإذا بإيران تتحكم فيه وتساوم بملفاته وتقايض بمصالحه لتنفيذ اجنداتها الثورية تحت مرأى العالم أجمع وتحديدا القيادة الأمريكية. ولن ننسى خطوط أوباما الحمراء التي وضعها للنظام السوري وأضحت بعد ذلك برداً وسلاماً حيث دمرت سوريا وذهبت خطوط أوباما أدراج الرياح. كذلك حذرت أمريكا تركيا إعلامياً من التدخل في شؤون العراق وإرسال المرتزقة لسوريا عبر الحدود التركية وكذلك من إرسالهم لليبيا عبر خطوط الطيران التركية. ثم نجد تركيا تعتدي بالتنقيب في المياه الإقليمية لقبرص وتتدخل في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان رغم التهديدات الأمريكية. والعجيب تغير سياسة تصريحات المسؤولين الأمريكيين نحو المملكة العربية السعودية خلال الأيام القليلة الفائتة والتي اتسمت بالتناقض، ما بين مشيد بقوتها وما بين مهدد، على غير العادة!

أخيراً، السياسة لعبة المصالح المتغيرة فلا عدو دائم ولا صديق دائم، فعلى الرغم من أن العلاقات السعودية الأمريكية تمتد لعقود ثمانية ماضية، إلا أننا نلاحظ أن تهديد المملكة أصبح ديدن كل مرشح لرئاسة البيت الأبيض. لنا الحق بأن نفخر فلدينا قيادة حكيمة لديها من النفس الطويل والتفكير الاستراتيجي ما مكّنها بفضل الله من تجاوز العديد من الأزمات السياسية التي أريد بها فرض أجندات حزبية بحتة ولكن لدينا من يقود السفينة بهدوء وتروٍّ فلا جعجعة إعلامية تخرجنا من طورنا. حيث لا ترضى قيادتنا الرشيدة بالتدخل في شؤون الآخرين وترفض الإملاءات ومحاولة التدخل في الشؤون الداخلية بكل حزم ووضوح وشفافية. ولنا الفخر بقوة العلاقة بين الشعب وقيادته الرشيدة بدءاً من توحيد البلاد ثم قضية اقتحام الحرم في بداية 1400 وحرب الخليج ثم خلال الثورات العربية المشؤومة وأخيراً التقرير الاستخباراتي الأمريكي حيث عبر المواطن عن ولائه لقادته وانتمائه وصدق العلاقة الأبوية التي تربطه بسيدي الملك سلمان.

أستاذ مساعد في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود

jarehfares@