-A +A
رامي الخليفة العلي
تعيش الولايات المتحدة الأمريكية فترة انتقالية في ملفات السياسة الخارجية، وبعد مرور أسابيع عدة ما تزال هناك حالة ضبابية تكتنف الكثير من المواقف الأمريكية، بالرغم من سعي الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته لاتخاذ إجراءات تشي بأن هناك انقلابا حاسما في ملفات متعددة، ولعل أبرزها عودة واشنطن إلى التنسيق مع الاتحاد الأوروبي وعودة الدفء إلى العلاقة بين ضفتي الأطلسي، وسياسة أكثر تشددا اتجاه الجانب الروسي حتى تم وضعه في موضع الخصومة السياسية والاستراتيجية... أما الضبابية فهي تتكرس على وجه التحديد في ملفات الشرق الأوسط، فالإشارات الأمريكية اتجاه رؤيتها للملف النووي الإيراني ودور نظام الملالي في المنطقة ما يزال غير واضح، فبينما تعلن بأنها تقف بالضد من سياسة إيران النووية ودورها في المنطقة، أطرقت النظر عندما أعلنت طهران أنها أنتجت معدن اليورانيوم واكتفت بإدانة جوفاء لا تغني ولا تسمن من جوع.

ولعل الضبابية تظهر بشكلها الفاقع عند الحديث عن الملف السوري، وقد ظهر خلال الأيام القليلة الماضية تطوران؛ الأول الحديث عن قانون جديد لمعاقبة النظام السوري يمكن وصفه بقانون قيصر2، والحديث عن نقل الملف السوري من مؤسسة الأمن القومي إلى مؤسسة وزارة الخارجية. عمليا كلا التطورين لا يعنيان شيئا في الدفع باتجاه حل سياسي أو التخفيف من معاناة الشعب السوري سواء في الداخل أو في الشتات. معاقبة النظام السوري بعقوبات قاسية ارتبطت بموقف إدارة ترمب من طهران، فكان العقاب للنظام هو عقاب للتواجد الإيراني في سوريا، فكانت الضربة الحاسمة عندما فرضت عقوبات على المصارف اللبنانية الخاضعة لتنظيم حزب الله، وهذا بالفعل أدى إلى إضعاف النظام السوري اقتصاديا ولكنه لم يؤثر على موقعه في رأس هرم السلطة، أما السبب الآخر فهو خروج ملف قيصر إلى النور بعدما ماطلت إدارة أوباما سيئة الذكر بالاهتمام به؛ خشية أن يؤثر ذلك على التفاهمات الروسية ـ الأمريكية وملف قيصر هو تسريب لصور 11 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب.


عمليا وخلال السنوات العشر الماضية منذ انطلاق الثورة السورية، كنا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. حتى الضربة العسكرية الأمريكية في عهد ترمب كانت استعراضية ولا قيمة لها، وقانون قيصر الذي نظر إليه باعتباره أقوى رد ضد النظام السوري، لم يؤثر بالنظام الذي أصبح جزءا من المعادلة الإقليمية وقد استطاعت روسيا إعادة تعويمه مرة أخرى، على الأقل لدى الأطراف الإقليمية المشاركة في مفاوضات آستانة، وكل ما أنتجه قانون قيصر الأول أنه زاد الأعباء على المواطن السوري حتى دفعت العقوبات الأمريكية مزيدا من الشرائح الاجتماعية نحو الفقر والفقر المدقع، بسبب العقوبات والتضخم تقلصت قيمة الرواتب الفعلية إلى أقل من 20 في المئة من قيمتها السابقة، وتضاعفت أسعار المواد الأساسية التي لا غنى للمواطن السوري عنها، أما الجوانب الصحية والتعليمية فحدث ولا حرج. لا نجد مبررا لمزيد من العقوبات على سوريا فإذا كان الهدف أن يثور المواطن السوري فقد فعل ذلك سابقا وأدارت له الكثير من الأطراف الظهر بما فيها الولايات المتحدة وإذا كان الهدف إضعاف النظام السوري فهذا مرتبط بالضغط على حلفاء النظام وداعميه وليس بالضغط على المواطن البسيط... كفى استخداما لمأساة السوريين كورقة في التجاذبات السياسية، فقد اكتفى هذا الشعب من كل الويلات التي لم تطل شعبا كما طالته خلال سنوات الآلام والدماء.

باحث سياسي

ramialkhalife@