-A +A
منى المالكي
لا يمكن أن تكون هناك حرية مطلقة، دون تنظيمٍ أو توجيه، لأنّ حرية الفرد تنتهي عند المساس بحريات الآخرين، فلا يمكن المساس بحرية الأشخاص كي ترتفع حرية شخصٍ معين، ففي هذا تعدٍ صارخ على مبدأ الحرية، كما أن حرية الجماعة، أجل وأسمى من حرية الفرد، فمن يسعى لتحقيق حريته على حساب غيره من الأفراد، أو على حساب وطنه، تُصبح حريته مسروقةً، فالمجتمع المنفتح، هو الذي يكفل لأفراده جميع أشكال الحرية، علماً أن جميع الشرائع والديانات السماوية، وخصوصاً الدين الإسلامي الحنيف، كفلت حق الحرية للأفراد مع الحرص على عدم المساس بالثوابت والمسلمات والخوض فيها تحت شعار (حرية التعبير)!

فعندما تبلغ بنا الحساسية المفرطة تجاه النقد أن نرفض أي إشارة لسلوك أو موقف فإننا نذهب في اتجاه خطير وهو المطالبة بخفض سقف حرية التعبير -حتى ولو أنا لم نشعر بذلك- ونبدأ في التراجع أمام بقعة الضوء التي بدأت تضيء لنا فالضوء هو البداية الحقيقية للنقد والرافعة التي سترتقي بالمجتمعات تجاه تصويب بعضهم بعضا.


نعيش في هذا العصر ضمن نطاقٍ واسعٍ من الحريات التي لم تكن موجودةً في السابق، وذلك بسبب سعة الاطّلاع والمعرفة بحياة الشعوب الأخرى، كلّ ذلك حصل بسبب انتشار وسائل الاتصال التي ألغت المسافات بين الشعوب وأزالت الحواجز، حتّى أنّها استطاعت إلغاء الخصوصية للجماعة والفرد، فقد أصبح العالم عبارةً عن قريةٍ صغيرةٍ، وهذا أدّى إلى حدوث صراعاتٍ بين الكيانات الاجتماعيّة بسبب الفوارق الطبقيّة والمعرفيّة، هذا كله يجب الوعي به وهذا ما جعلنا نعيش حالة (الصدمة) وإذابة الفوارق السابقة بين (حرية التعبير النقد) و(القدسية) لبعض الكيانات والأشخاص وهي كيانات وهمية لا تلامس ثابتا دينيا أو وطنيا ولكنها الحزبية المقيتة التي كممت الأفواه لفترة من الزمن هذه الحالة تسربت لكل فكرة أو موضوع فأصبح (النقد) أمرا محرما!، فلا يمكن التفوه بكلمة نقد تجاه ما تراه مخالفا لحرية التعبير وظهرت (الحرية) كلمة مرادفة (للرذيلة) ومن هنا بدأت المجتمعات في حالة من الوهن والضعف واللامبالاة وعدم التفاعل مع ما يحدث حولها أو في العالم واكتفت بأن ترى نفسها فقط محور العالم وبأفضليتها فاكتشفت بعد انقشاع الغمة أنها تقبع في نهاية القائمة نتيجة انغلاقها وعدم تفاعلها بالنقد البناء تجاه حياتها وسلوكياتها! حتى حظينا بشخصية تاريخية عظيمة أعادت لنا تشكيل مفاهيم كثيرة وأعلنت أننا لن نضيع أعمارنا في غفوات قادمة!

قال الله سبحانه (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ) المتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان القدرة على التعبير عن مشاعره وأحاسيسه وعما يدور في داخله وبالتالي هي صفة أصيلة من صفات الإنسان وليست حقًا من حقوقه فقط، فالقدرة عن التعبير هي صفة أصلية في حياتنا وبالتالي هي حق، وهذا يعني أنه يجب أن تكون ممارسة الإنسان للحريات غير متزامنة مع إلحاق الأذى بالناس، وأن لا يتم التأثير على حياة الآخرين بحجة الحرية، كما يدخل في مفهوم ضوابط الحرية عدم الإساءة إلى أفكار الآخرين ومعتقداتهم وأفعالهم المرتبطة بهذه الأفكار، فالتقليل من شأنهم وعدم احترام آرائهم ومحاربة أفكارهم يدخل في باب تضييق الحريات ويتنافى مع التسامح الإنساني.

كاتبة سعودية

monaalmaliki@