-A +A
منى العتيبي
تطلق مؤخرا عبارة «الزمن الجميل» ومثيلتها «زمن الطيبين» على الحقبة الزمنية التي عاشها جيل السبعينات والثمانينات وأضم إليهم جيل الستينات، وذلك استذكارا لأيام طفولتهم ومراهقتهم مع أجدادهم. وترمز العبارة إلى ذكرياتهم وحكاياتهم التي عاشوها وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم آنذاك، بالإضافة إلى الصفات التي يصفون بها جيلهم التي تتسم بالبساطة والعفوية والبراءة وكل ما يتعلق بالصدق.

إلى هنا والأمر جميل كزمنهم الجميل ،ولكن صدقاً ما يقلقني نمو هذه العبارة وتناقلها مع الأجيال عبر الأزمان المتقادمة، حيث سيرى كل جيل بأن زمنه هو الزمن الجميل والطيب وما بعده مجرد تمضية عُمر!


إن تكرار هاتين العبارتين، وخاصة عند الجيل الذي يتلوها قد نكرس مفاهيم ونمرر من خلالها إشارات ودلالات تنعكس سلبا عند أبناء الجيل الحالي، أولها أننا نصنع جدارا من عدم القدرة على التواصل مع الأبناء، بالإضافة إلى حدوث الانسلاخ بين الماضي والحاضر وكأنهما عالمان منفصلان تماما، بالرغم من استمرارية الزمنين حتى اللحظة واتصالهما عبر توارث العادات والتقاليد والقيم والفنون والعلوم رغم تطور بعضها بما يتناسب مع ذوق جيل الزمن الحالي.

إضافة إلى ذلك أجد بأن عبارتي الزمن الجميل وزمن الطيبين تؤكدان للجيل الحالي بأن جيلهم ليس جميلاً وهم الأشرار حين ذهب الطيبون مع الزمن الراحل.. كما أنها تؤكد بأن العفوية والبساطة والطيبة وكل خلق جميل قد ولى وذهب!

كما أن حالة التشبث بهذه العبارة تعطينا انطباعا بأنها الحياة الأخيرة ونقطة آخر السطر وما بعدها سيكون الأسوأ والأقل وربما الأتفه والأسخف!

يُخيّل لي أحياناً بأن سبب نفور وعزوف واضطراب شبابنا ما تقدمه هذه العبارة من رسائل ضمنية سلبية برفض الجيل الحالي واحتقار ما يقدمه ويعمل به. وأحزن كثيراً عندما أرى ردة فعل الجيل الحالي وهم يتنمرون بسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر النكات على الزمن الماضي وكأنه الزمن المنفصل عنهم تماماً!

وأحزن أكثر عندما أشاهد بعضهم بلا هوية، يتملص ويحاول جاهداً الانفصال تماما عن ماضي أجداده وعاداته وتقاليده وأخلاقه وموروثه الأصيل بالرغم من أنه كان بالإمكان استمرار هذا الموروث ولو بطابع متطور مع جيله الحالي، يتحرك معه الجيل بطابعه هو وبشكله هو ولكن ما يحدث العكس.

أدرك جيداً أن الخطاب الذي تحمله عبارة الزمن الجميل مجرد دعوة إلى العودة إلى الأصالة ولكن المضامين التي تحملها عبارة الزمن الجميل لها وجهها الخطير في الانفصال بين الأصالة والحداثة رغم حاجة الأخرى للأولى.

لقد حان الوقت لمعاودة صناعة خطاب منصف للزمن الجميل وزمن الطيبين يمد جسور الآباء بالأبناء وتنصهر فيه كل معاني الجمال والطيبة بين الجيلين على حد سواء؛ فكل الأزمنة جميلة وكل الأجيال طيبة.

كاتبة سعودية

monaotib@

Mona.Mz.Al@Gmail.Com