-A +A
رامي الخليفة العلي
على مدار عام كان لي شرف متابعة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية ووقفت على معظم محطاتها، وبالرغم من كون العام كان صاخبا بأحداثه مليئا بتحدياته إلا أن الرياض كعادتها عبرت هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة بثقة وثبات واستطاعت تجاوز الصعاب. كانت المحاولات مستميتة لزحزحة الرياض عن موقعها في قيادة العالمين العربي والإسلامي، إلا أن كل تلك المحاولات ذهبت أدراج الرياح لتبقى الرياض الرقم الصعب الذي على الجميع أن يقف عنده، حدث ذلك عندما حاولت بعض الأطراف تأسيس كيانات إسلامية بعيدا عن المملكة فباءت تلك المحاولات بالفشل. وتجلت قيادة المملكة للعالم العربي عندما وقفت بكل صلابة في مواجهة أطماع إقليمية تريد اختراق الأمن القومي العربي وأجهضت التدخلات العسكرية الإقليمية بالتعاون مع المجتمع الدولي ورص ما تبقى من النظام الرسمي العربي. تدرك المملكة العربية السعودية جيدا الحالة التي وصل إليها العالم العربي وتفجر الأزمات الإقليمية والتناقضات الداخلية، لكن سياسة المملكة قامت على مبدأ (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، وهذا ما جعل المملكة تساهم بشكل كبير في ترسيخ بعض من الاستقرار في الجزيرة السورية ومنعت قيام صراع كردي عربي أرادته أطراف إقليمية. منعت المملكة قيام كيان طائفي في خاصرة شبه الجزيرة العربية في اليمن من خلال مواجهة المشروع الإيراني في هذا البلد العزيز، ومع ذلك جنحت إلى السلم في كل المحاولات التي قامت بها الأمم المتحدة لإحلال السلام، وساندت كل المفاوضات التي دعت إليها الأمم المتحدة. في ليبيا دافعت المملكة عن وحدة وسلامة الأراضي الليبية ورفضت وجود المرتزقة الأجانب والقوات الغازية، كما ساندت المملكة بكل ما تملك سياسيا وإعلاميا جمهورية مصر العربية للحفاظ على أمنها القومي وساندت الخط الأحمر الذي حدده الرئيس المصري (سرت ـ الجفرة) كما ساندت حقوق الدول العربية في مياه البحر الأبيض المتوسط والتي حاولت أنقرة أن تضع تلك الدول تحت الأمر الواقع ولكنها فشلت. بالرغم من أن محاولات نظام الملالي للنيل من الأمن القومي العربي لم تتوقف خلال العام المنصرم إلا أنه فشل فشلا ذريعا فتكاثرت عليه الأزمات الداخلية والخارجية ولم يستطع أن يحقق الاستقرار في أي من الدول التي يزعم أنه يحتلها فتحول إلى نظام مكروه من معظم سكان المنطقة، ولعل ما يحدث في العراق والانتفاضات المتوالية ضد الهيمنة الإيرانية أكبر دليل على فشل النظام المذهبي الذي تسوق له طهران.

قادت المملكة العربية السعودية مجموعة العشرين وسعت إلى تعاون دولي في مواجهة التحديات وعلى رأسها تفشي وباء كورونا، وتجلى البعد الإنساني الذي تحرص عليه المملكة في الدعوة إلى العدالة في توزيع اللقاحات على كافة الدول ودعت مجموعة العشرين إلى مساعدة الدول الفقيرة، بل قامت المملكة بتخصيص مبالغ مالية لهذا الغرض، كما أقرت تلك المجموعة بقيادة المملكة استراتيجيات لتجاوز الآثار الاقتصادية الكارثية للجائحة على المستوى الدولي.


كحوصلة لكثير من التطورات التي لا يتسع المجال لاستعراضها، فإن المملكة حافظت على نهجها وثوابتها واستطاعت مقاومة الهجمات الضارية التي تعرضت لها، وذلك لم يمنعها من السير في طريق السلام والمصالحات كلما سنحت الفرصة، وهي تدخل العام الجديد مسلحة بثقة لا حدود لها وبتفاؤل حدوده السماء.

باحث سياسي

ramialkhalife@