-A +A
عبداللطيف الضويحي
وجوه غيّبها الموت، ووجوهٌ أخرى غيب ملامحها الإصابة، وأخرى غيبتها المتاعب النفسية والاجتماعية، ووجوه أخفتها الكمامة، إنه عام بلا وجوه، حقا إنها وجوه بلا وجوه. من نجا من الموت بكورونا سنة 2020، لم ينج من الإصابة بأعراضها، ومن سلم من الموت والإصابة بكورونا، لم ينج من الدمار الاقتصادي، ومن نجا من الآثار الاقتصادية المدمرة، حتماً لم ينج من الدمار النفسي أو الاجتماعي أو من الاثنين معاً.

كان 2020، عام الأرقام المفزعة بامتياز، حتى فاض بالخيبات والانكسارات الممتدة من الوريد إلى الوريد، ومن الفرد إلى الفرد ومن الجماعة إلى الجماعة ومن المؤسسة إلى المؤسسة ومن الدولة إلى الدولة عبر دول العالم.


وكانت 2020 زلزالاً مدوياً في أرجاء المعمورة بسبب الجائحة، فلم تترك ملفاً أو قضية إلا وتم فتحها أو إعادة فتحها، ولم يترك مرحلة من مراحل التنمية إلا قدم وأخر بها. خلخل الروابط الأسرية حتى أصاب الكثير منها في مقتل، ضرب العلاقات الاجتماعية فأعادها إلى نقطة الصفر أو أدنى. هز النظم الصحية فساوى العالم الأول بالعالم الثالث في كثير من الأمثلة والحالات. ضرب النظم الاقتصادية فساوى عدد العاطلين عن العمل بأضعافهم من الفقراء والمعوزين. إنه عام كورونا الذي ساوى أعداد المشردين بأضعافهم من اللاجئين والنازحين.

لكنني لا أستعرض هذه المآسي لأقول إنها بسبب كورونا، إنما للقول بأن الكثير من النظم المعمول بها لم تكن على ما يرام في الأصل، وكل ما فعلته بها ومعها جائحة كورونا هو أنها عرتها وكشفت سوأتها.

أظن أن العالم أصبح في مواجهة التحديات التي كانت محل جدال لا ينتهي من قبل. لا بد للعالم أن يستفيد ويتعلم من الدروس التي أخذها وتعلمها من الجائحة، بعيداً عن الصراعات الإيديولوجية والمصالح الذاتية والإقليمية، فالأوبئة وليدة أنظمة بيئية وغذائية واجتماعية وصحية واجتماعية وسياسية مجتمعة.

هناك حاجة لمراجعة الدول لنظمها الرأسمالية المتوحشة في البلدان التي تفاقمت بها الجائحة بسبب تلك النظم الرأسمالية المتوحشة. كما أن هناك حاجة لإخضاع منظمات الأمم المتحدة كلها لإعادة الهيكلة وتوزيع الاختصاص لكي تتخلص تلك المنظمات من الترهل الذي أصابها والشيخوخة التي قوضت أساسات كثير منها، فضلاً عن الفساد المعشش بجنبات بعضها. مع ضرورة أن تكون هذه المنظمات أكثر استقلالية عن الشركات الرأسمالية وعن الدول التي تدور في فلكها.

من المهم مراجعة أهداف التنمية المستدامة، في ضوء ما تسببت به جائحة كورونا من أضرار ومن تبعات الجائحة، فضلاً عن التداخل بين كثير من تلك المنظمات بعضها ببعض.

لا بد من استباق الذكاء الصناعي بدراسات تعوض الكثير من المهن والأعمال التي سيتسبب الذكاء الصناعي بإقفالها. فرغم حضور الذكاء الصناعي وأهميته إبان الجائحة وفي ما بعدها، إلا أن المؤشرات تشير إلى أنه سيتسبب بفقدان كثيرين لأعمالهم ومهنهم والتسبب ببطالة كبيرة محققة وتسريح ملايين العاملين، ما لم يؤخذ ذلك بالحسبان قبل فوات الأوان.

من المهم إعادة الاعتبار للتعليم والصحة كأولويتين راسختين في الدول وفي المنظمات الأممية مهما تعددت الاهتمامات وتباعدت الأهداف، لأن التعليم والصحة ستبقيان ركيزتين منهما تتفرع وتتجذر النظم والثقافات.

إن الحياة ستستمر رغم كل ذلك، وإن فايروس كورونا لن يكون آخرها، وسواء كان هذا الفايروس طبيعياً أو تم تصنيعه كما يميل إلى الإيمان بذلك كثيرون، فإن هناك حاجة ماسة لمراجعة الأنظمة التي تحمي البيئية والتي لا يكفي أن تتقيد بها بعض الدول، ويتجاهلها البعض، فالجميع في مركب واحد.

كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org