-A +A
أسامة يماني
اليهودية والمسيحية والإسلام يشاركون بعضهم البعض في كونهم رسالة دينية سماوية بينة، قال تعالى: «وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ».

وقال تعالي: «شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (أي يا محمد) وَمَا وَصَيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِينَ وَلاَ تَتَفَرَقُوا فِيهِ».


المشكلة التي نُعاني منها في عالمنا اليوم تكمن في القداسة التي نُصبغها ونُمنحها للعادات والتقاليد، وكذلك في التفاسير والأحكام التي وضعها رجال لنصوص فهموها بقدر معارفهم، وما توفر لهم من علم وإدراك مرتبط بقدرات محدودة كانت في متسعهم في ذلك الزمان والوقت.

لقد أصبح هذا المورث سبباً في ما أصاب المجتمعات من تخلف وانحدار للعقل الجمعي إلى أدنى مستويات التخلف العلمي والحضاري.

يقول ابن النفيس: «ربما أوجب استقصاؤنا النظر، عدولاً عن المشهور والمتعارف». وفِي هذا السياق يقول ابن النفيس: «الحق حق في نفسه لا لقول الناس له». لذا وجب علينا الخروج من هذا المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه.

لهذا فقد جاء في وثيقة الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي التي أقرها مؤتمر القمة الإسلامي السادس في داكار عام 1991، أن التراث الإسلامي وإن ارتبط بالوحي فهو ليس بوحي بل هو عمل إنساني من صنع البشر وفهم بشري للوحي ويجب مراجعته مراجعة نقدية وعدم إضفاء القداسة عليه فلا شيء مقدساً سوى وحي السماء، وأن الأمم التي لا تراجع تراثها مراجعة نقدية لن يكتب لها التقدم.

وقد أشارت منظمة التعاون الإسلامي إلى ذلك في وثيقتها فقالت: «إننا نلمس حيرة وارتباكا أمام تحديات وتدفق الحضارة الغربية، وهو ما جعل المثقف المسلم يشعر باضطراب الرؤية والحاجة إلى مراجعة إرثه الثقافي وإعادة توظيفه لخدمة قضايا المرحلة؛ لأنه من الواضح أننا دخلنا عصر التحولات الكبرى في تاريخ الإنسانية حيث سيصبح امتلاك العلم والمعرفة بديلاً عن امتلاك الثروات الطبيعية وبديلاً عن قوة رأس المال وتتقدم فيه العقول المفكرة على الأيدي العاملة».

لقد آن الأوان للتصالح مع محيطنا وكفانا حروباً عبثية وتصنيفات وتقسيمات ومسميات تصب في نهايتها بخانة رفض الآخر ورفض التراث الإنساني المشترك، واستبدال الأخلاق بالكراهية والشر والنفور.

معركتنا الحقيقية تكمن في تحصيل المعرفة والعلم الذي يُوصلنا إلى الثروة التي لا تنضب؛ ثروة البناء والإعمار وليست ثروة الكسالى.

لنكن صناع حياة وبهجة ورفاهية، لا صناع موت وقهر ودمار.

كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com