-A +A
عقيل بوخمسين
تمخضت اتفاقية العقير، التي وقعها الملك عبدالعزيز في ديسمبر 1922، عن حدثين يشكلان علامة فارقة في تأسيس المملكة. الأول هو رسم الحدود الفاصلة بين المناطق التابعة لنجد مع الجوار، والثاني تحديد بروتوكولات المناطق المحايدة بين نجد والكويت والعراق.

لعب المبعوث البريطاني آنذاك بيرسي كوكس دور الوسيط في محادثات ضمت ممثلي الدول المجاورة. ويُنقل أن الملك عبدالعزيز كان بالغ الحذر خلالها، فخبرته في التعامل مع الساسة البريطانيين، والعثمانيين قبل ذلك، مكنته من فهم طريقة هذه القوى في تأليب العداوات القبلية للوصول إلى مآربها. ويذكر مترجم الملك عبدالعزيز في اتفاقية العقير، أمين الريحاني، أن المؤسس كان يقول في وصف مشاعره تجاه الحكومة البريطانية «إنهم لا يكفون عن نصب الشراك لي، إنهم يحصلون على كل ما يريدون، أما نحن فإذا أردنا شيئا فلا بد أن نقاتل في سبيله».


دخل كوكس المفاوضات بعد رسالة وصلته من نائبه، تحمل تعريفا بالقائد الذي سيقابله، تقول: «هذا الرجل - ابن سعود - زعيم بدوي داهية، ومن الممكن أن يصعّب علينا تحقيق مآربنا في المنطقة، وبسط سيطرتنا على القبائل في الجزيرة».

عجرفة كوكس لم تحل دون الوصول إلى اتفاق سياسي يرضي الملك عبدالعزيز، إلا أن البريطانيين لم يكونوا في العقير لإنجاز اتفاق سياسي فقط، إذ ظهر أجنبي آخر، فرانك هولمز، يطلب مفاوضة المؤسس في أمر مختلف، ويعرض عليه صفقة تجارية تقوم من خلالها مجموعة بريطانية خاصة غير تابعة للحكومة، إيسترن آند جنرال، بالتنقيب عن النفط في الأراضي التابعة لنجد على الخليج العربي.

يُنقل أن هولمز كان بعيداً في مفاوضاته عن عجرفة كوكس، وكان يخاطب الملك بما يرضي عزة نفسه واستقلاليته، وحصل على امتياز التنقيب عن النفط في الأراضي التابعة لنجد عام 1923، وبموجب الامتياز قامت المجموعة البريطانية بالتنقيب عن النفط في الخليج العربي مقابل دفعات سنوية.

بعد 100 عام من اتفاقية العقير، تتجلى اليوم العلامة الفارقة بين إنجاز صاحب الأرض واندحار المستعمر أياً تكن طريقته، لم يقبل الملك عبدالعزيز أن يكون قطعة شطرنج تحركها القوى الأجنبية على رمال المنطقة، كما حدث في مناطق أخرى، واستطاع بناء دولة قوية تحمي حدودها، وتسيطر على مقدراتها، ولأبنائها الكلمة الفاصلة في تحديد دورها، أما الآخرون فكانوا أسماء عابرة في ظروف عابرة، حصدوا من خلالها الفرص، وأخفقوا في تحقيق الإنجازات الإستراتيجية الدائمة.

كاتب سعودي

aqbukhamsin@