-A +A
طلال صالح بنان
باءت، إلى الآن، كل محاولات الرئيس دونالد ترمب لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية، لصالحه. لم يبق له سوى احتمال عرقلة التصديق على النتيجة رسمياً من الكونجرس في السادس من يناير القادم. إلا أن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ (ميتش مكانل)، استبق الحدث بتهنئة الرئيس المنتخب جوي بايدن بالفوز، بعد أن صَدّقَ المجمع الانتخابي 14 ديسمبر للولايات الخمسين على النتيجة.

لم يترك الرئيس ترمب ومؤيدوه من الجمهوريين، في مؤسسات النظام السياسي الأمريكي الرسمية وغير الرسمية أية حيلة سياسية أو دستورية أو قانونية في الدفع بزعمهم تزوير الانتخابات الرئاسية وسرقتها من قبل الديمقراطيين، إلا وجربوها. لقد طعنوا بالتزوير، حتى من قبل إعلان النتيجة إعلامياً.. وحاولوا وقف عد الأصوات التي أُرسلت بالبريد وأصوات من صوّت غيابياً واكتفوا بأصوات من حضر إلى لجان الانتخابات شخصياً.


كما باشروا رفع عشرات القضايا زاعمين حدوث تزوير واسع النطاق في العملية الانتخابية، مما سهل سرقتها من قبل الديمقراطيين، على حد زعمهم. لقد حاولوا إعادة إحصاء الأصوات يدوياً في جميع الولايات المتارجحة، حتى أنهم أحياناً دفعوا تكلفة ذلك، كما حدث مع ولاية وسكانسن.

تقريباً: كل القضايا التي تقدموا بها للطعن بتزوير الانتخابات وهي بالعشرات، خسروها جميعاً، إلا واحدة ولفترة محدودة. وكان فريق الرئيس ترمب الدفاعي يطمح في تدخل المحكمة الدستورية العليا، آملين أن تصطف الأغلبية المحافظة لجانبهم، وخاصةً أن الرئيس ترمب سعى في تعيين ثلاثة من الستة. لكن المحكمة العليا أعادت كل تلك القضايا، مشفوعةً بأشدِ عباراتِ الرفضِ والاستهجان.

لم تخل جعبة فريق الرئيس ترمب من حِيَلِ القتال وحتى آخر رمق، لتغيير نتيجة الانتخابات وقلبها، ليبقى الرئيس ترمب في البيت الأبيض، بأي ثمن. الجنرال مايكل فلن مستشار الرئيس ترمب للأمن القومي الأسبق كتب مقالاً في إحدى الصحف الكبرى ونشره كإعلان مدفوع الأجر، يحرض الرئيس على إيقاف العمل بالدستور وإعلان الأحكام العرفية وإجراء انتخابات جديدة!

لهذا المستوى من الانحدار تجاه «الأوتقراطية» تردت إليه أكثر الديمقراطيات الحديثة استقراراً وشفافيةً، كونها نموذجاً كونياً للتداول السلمي للسلطة. صحيح، في النهاية: انتصرت الديمقراطية، إلا أنه انتصار مثخن بالجراح، ستظل الولايات المتحدة تنزف منه، لفترة طويلة. وأكثر ما تعاني من نزيف هذه الجراح إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن القادمة، التي سيعمل الجمهوريون على التشكيك في مشروعيتها، مما قد ينعكس على فاعلية أدائها وكفاءتها وتحقيقها لبرنامجها التي انتخبت من أجله.. وإعادة اللُحْمَة للأمة.

سابقة هذا السلوك «الأوتوقراطي»، الذي أحدثه الرئيس ترمب وأصاب الديمقراطية الأمريكية في أسس تجربتها وقيم مؤسساتها ومشروعية نموذجها، ليس من ضمانة لعدم تكراره.. وليس هناك من إمكانية مؤكدة على عدم استشراء الانقسام في الأمة، الذي أحدثته هذه الأزمة.

نعم الديمقراطية في النهاية انتصرت، لكنها لم تكسب الحرب. إنه انتصار غير مكتمل، وبمرارة الهزيمة.

كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com