-A +A
مي خالد
أنتَ أيها الإنسان ابن الأخطاء، أخطاء تجنبت ارتكابها فكوّنت خصالك وطبعت شخصيتك عبر مرور الأيام، وأخطاء اقترفتها فصنعت ذاكرتك وهزائمك وخيباتك ونحتت شكل ضميرك والحسرة.

يقول الناس في استهجان أمام أخطاء الآخرين: هذه ظاهرة فردية، يقولون ذلك على سبيل التنصل من مسؤولياتهم تجاه الفرد الذي هو نواة الجماعة، هذه المقولات نتاج للمدنية الأسمنتية الطاحنة التي نعيش أتعس فصولها منذ مطلع القرن العشرين، كان للفرد الواحد تقديره في المجتمعات الطبيعية البدائية الفطرية الأولى، بل أكثر من ذلك، لقد كانت القبيلة كلها تخضع بالتبادل لسلطة الفرد وإرادته الحرة، يرى أغلب دارسي الأدب الجاهلي أن الفرد العربي كان خاضعا لسلطة القبيلة ويستشهدون ببيت الشعر لدريد بن الصمة حين قال:


أمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِوَى

فلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ

فلمَا عَصَوْني كنْتُ منهُمْ وقد أرَى

غِوَايَتَهُمْ وأنَني غيرُ مُهتَدِ

ومَا أنَا إلا من غَزِيَة إنْ غوَتْ

غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزيَة أَرْشُدِ

يرون في هذه الأبيات دلالة على انمحاء الذات الفردانية وذوبانها في القبيلة التي يمكنها أن تلغي استقلال الإنسان، وهذا بالطبع جانب من الصورة الكلية، فعلى الجانب الآخر من القصة كانت القبيلة كلها تخرج للحرب بسب حماقة ارتكبها شاب واحد أو هزيمة لحقت بشخص، أو عار طال أحدهم، هنا نجد للفرد سلطة طاغية قد تفوق سلطة القبيلة.

لكن الإرادة الفردية الحرة التي كانت لدى الإنسان العربي في الجاهلية تلاشت رويدا رويدا حتى طحنتها الثورة الصناعية واغتالتها الدولة الحديثة التي تزعم أنها ديمقراطية وتحترم صوت الشعوب وتجعلها تقرر مصيرها، لكن الفرد الواحد من هذه الشعوب إن اقترف خطأ أو ارتكب نزوة تخلى عنه الجميع وكتبوا اسمه مصلوبا في وسم #لايمثلني، وكأن على الجميع أن يمثلوا بعضهم البعض، وكأنهم خط إنتاج تجاري مكرر لبراند عالمي مزور.

نحن للأسف تسامحنا مع انمحاء هوايتنا الفردية حتى اختفت تماما وأصبحنا مثل التروس الصغيرة في ماكينة كبيرة ممنوع الخطأ أو التعب أو رفض العمل فيها، وهذا ضريبة التقدم العلمي والحضاري والعمراني ربما.

كاتبة سعودية

may_khaled@hotmail.com

mayk_0_0@