-A +A
طلال صالح بنان
يوم الثلاثاء الماضي عُقدت المناظرة الرئاسية الأولى، وربما تكون الأخيرة، بين الرئيس دونالد ترمب ونائب الرئيس الأسبق جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة. كانت المناظرة أقرب من أن تكون خيبة أملٍ للكثيرين، إشارةً لحالة التردي، التي وصلت إليها الممارسة الديمقراطية، في الولايات المتحدة.

غَلبَ على المناظرةِ الجدلُ العنيف، خطاباً وإيماءً.. تلميحاً وتصريحاً، وصل في إسرافه، إلى مستوى الخوض في الأمور الشخصية، بعيداً، في كثيرٍ من الأحيان، عن مناقشةِ القضايا التي تهم الناخب الأمريكي، الذي سيذهب يوم الثالث من نوفمبر القادم لاختيار الرئيس الأمريكي المقبل للبلاد... الأمر الذي دفع نسبةً كبيرةً ممن لم يقرروا بعد، لأيٍ من المرشحين سيصوتون. تبلغ نسبة هؤلاء أكثر من 6% من المسجلين للانتخابات، وهي نسبة ليست بالقليلة، لتحديد مصير كرسي الرئاسة، للأربع السنوات القادمة.


المشكلةُ ليست، انزلاقَ كلا المرشحين، خارجَ نطاقِ القضايا، التي تهم الناخب الأمريكي، بقدرِ ما كانت تؤكدُ على خوفِ الكثيرين، من احتمالِ سيطرةِ العنفِ على سلوكِ الناخبين، سواء قبلَ أو أثناءَ الانتخابات، أم بعَيْدَ إعلانِ نتيجتِها.

المشكلةُ أُثيرت عندما سأل مديرُ المناظرةِ، الإعلامي المخضرم كريس والاس (72 عاما)، الرئيسَ ترمب عن مسألةٍ شغلت الجمهورَ الأمريكي، ماذا إذا هو يدينُ الجماعةَ اليمينيةَ المتطرفة، التي تعتنق الفكر القائل بتفوقِ العرقِ الأبيض (White Supremacists). بعد تلكؤٍ، رفض إعلان الإدانة، وزاد ما اعْتُبِرَ تحريضاً منه، إشارته: أن يظل مؤيدوه، خاصةً، جماعات العنفِ العنصريِ المتطرف، التي تأخذ شكل المليشيات المسلحة، مثل: جماعة، الشباب المتغطرس (Proud Boys)، يقظين ومستعدين، في انتظار التعليمات!

لم يشهد تاريخُ الممارسةِ الديمقراطية، في الولايات المتحدة، منذ انتخاب أول رئيس أمريكي جورج واشنطن (1789 – 1797)، نكوصاً عن قاعدة التداول السلمي للسلطة، إلى احتمال الصراع الدموي العنيف عليها، مثل ما يخشاه الأمريكيون اليوم، من تحولِ الممارسةِ الديمقراطيةِ السلمية، إلى صراعٍ عنيفٍ ودمويٍ، على السلطة.

بالنسبة، للرئيس ترمب ومؤيديه: الانتخابات النزيهة التي تُقبل نتيجتها، هي تلك التي يفوز فيها، وإلا الانجرار للعنفِ والفوضى. تطورٌ يثيرُ القلقَ في سلوكِ وموقفِ الرئيس ترمب ومؤيديه من الجماعات المتطرفة، التي تعتنق الأفكار الفاشية.. وتنظم نفسها كمليشياتٍ مسلحةٍ، وهي في نفسِ الوقت، معاديةٌ لفكرة الدولة، نفسها.. وتتطرف في عقيدتها «الليبرالية» لدرجةِ الفوضى العنصرية، مما قد يهدد بحربٍ أهليةٍ جديدة، في الولايات المتحدة. احتمالٌ أكدَ على إمكانيةِ تطوره، الكاتب الصحفي توماس فريدمان، في مقال له في صحيفة نيويورك تايمز، 29 سبتمبر الماضي.

الأمرُ تعقدَ كثيراً بإصابةِ الرئيس ترمب بفايروس كورونا، ولم يتبقَ لموعدِ الانتخابات، سوى أقل من شهر. الولايات المتحدة، تمرُ هذه الأيام، بأعقدِ لحظات تاريخها.. وباختبارٍ صعبٍ، لثقافتها.. وممارستها الديمقراطية، وربما وضعها كقوةٍ عظمى.

كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com