-A +A
محمد الساعد
المنطقة من جنوب مدينة الطائف وحتى الربوعة جنوب المملكة، هي أكبر منطقة ريفية في البلاد، بالتأكيد هناك ريف في نجد والأحساء وشمال المملكة، لكن ريفا ذا وحدة جغرافية متواصلة وطابع متقارب جدا لن تجده إلا في المنطقة بين الطائف والباحة وعسير.

ما حصل هذا الصيف استثناء بكل المقاييس، فتوقف السفر بسبب جائحة كورونا وانعدام فرص الحركة بين السعودية والإمارات والبحرين دفع بأكثر من مليوني سائح للتوجه نحو المصايف التقليدية الطائف وعسير.


يقول السعوديون،وخاصة الشباب منهم، إنهم اكتشفوا بلادهم وإن الدهشة بروعة وثراء ما شاهدوه تفوق الوصف، لكن رحلة السائح ليست مقطع سناب شات، ولا ساعة مطر وضباب، بل هي معادلة تقول أن تدفع للسكن والأكل والخدمات سعرا عادلا يماثل جودة الخدمة المقدمة، وكلما كانت تجربة السائح أو المصطاف لا تناسب تلك المعادلة فتأكد أنه لن يكررها وسيكون وسيلة دعاية سيئة.

المثير أن موسما مطيرا صادف هذا العام، الأمر الذي عمق التأثير عند من ذهب ومن بقي يشاهد ما ينقله المصطافون عبر هواتفهم، وأيضا أعطى مساحة من الغفران لمستوى الخدمات، ولعل الكثير ممن لا يعرفون المنطقة اعتقدوا أن هذا شكلها الصيفي السنوي، بالتأكيد جزء منه صحيح لكن بهذه الصورة الخلابة فلا، هذا لا ينفي أن الجو والطبيعة الجيدة كانت حاضرة وستبقى في الباحة وعسير بالذات.

السؤال الكبير هل ستصمد هاتان المنطقتان أمام زحف التمدن القاسي الذي أصاب البلاد منذ خمسة عقود وتفقد هويتها الريفية، وأقصد بها البناء وفتح الشوارع وتخطيط الأحياء بدون أنسنة ما يؤدي إلى تجريف الريف إلى «كانتونات» إسمنتية متراصة مؤذية للعين ومشوهة للطبيعة ودافنة لأهم مقومات المنطقة.

الحفاظ على ريفية عسير والباحة أمر ضروري جدا، وتجربة الطائف خير مثال، من يعرف الطائف قبل خمسة عقود يتحسر على ما وصلت إليه اليوم، لأن التفريط في عسير والباحة يعني أن تتحول إلى أشباه مدن، مجرد بيوت متناثرة على قمم وسفوح الجبال، وعندها ستفقد جاذبيتها ومكانتها السياحية.

التحديات كبيرة والمستقبل مبشر، وتطوير وتحسين مقومات السياحة لا جدال فيها، بالتأكيد نحن بحاجة لبناء فنادق ومطاعم وأسواق ذات جودة عالية، لكن هل من الضروري أن نجلب علامات عالمية أم نجذب تجارب الفنادق والمساكن في مناطق مشابهة إلى حد كبير لأبها والباحة، كما في إيطاليا وكلورادوا بأميركا التي حققت نموذجا للزيارات والسياحة في الأماكن الجبلية، أوروبا لديها ريف حقيقي وهم حافظوا عليه من الاندثار كجزء من الثراء والتنوع الذي يزيد من خيارات الزوار، وأجزم أننا في حاجة لذلك.

مشروع السودة في أبها الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بنفسه لإيمانه بأهميته ومردوده العظيم على عالمية السياحة السعودية، واستراتيجية عسير التي يشرف عليها الأمير تركي بن طلال؛ تفتح آفاقا للسياحة ولكن بخياراتنا وهويتنا، وهي ترفع المعادلة التالية: نريد سياحة عالمية ورائدة.

الأمير تركي قال إنه يصر أن تكون لعسير هوية راسخة ليس في السياحة فقط بل في مساحة واسعة من الحياة، مشيرا إلى أن لعسير مركزاً حضرياً يشرف بصرامة على تطبيق معايير بناء ترسخ تلك الهوية، وهذه لن تتحقق ونحن نسمح ببناء قلاع إسمنتية بدون هوية معمارية تستلهم ملامحها من تراث وعبق المنطقة.

مع ملاحظة أن الهوية ليست طرازا معماريا فقط بل إن الشجرة التي تشتهر بها المنطقة والفاكهة التي تزرعها، والمطبخ الجنوبي تراث، واللبس الجنوبي تراث، والأهازيج والرقصات والألعاب الشعبية تراث يجب الحفاظ عليها.

الموسم القادم للسياحة في أبها سيكون اختبارا ثقيلا، ولن أقول عسيرا، فقد لا يتكرر الموسم المطير، وسيزداد رقم المصطافين عن العام الحالي، وإذا لم يتم من اليوم الإعداد للمرافق والخدمات والمساكن بكل بدائلها وخياراتها بشكل يلامس سقف توقعات المصطافين، فسيكون من الصعوبة بمكان تحقيق الرضى المنشود.

كاتب سعودي

massaaed@