-A +A
ريم بنت عبدالخالق
الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ومن مظاهر ذلك تأثره بالبشر من حوله فيشاركهم أفراحهم وأتراحهم وينعكس ذلك عليه بدرجات تختلف من شخص لآخر.

ورغم أنه من الطبيعي أن تشعر بالأسى حين ترى إنساناً يعاني، ولكن ما يؤلم أكثر هو أن ترى حزن من تعودت منه الابتسامة والبشاشة وطلاقة المحيا، فمن نألف ضحكتهم يصبح بكاؤهم أبلغ أثراً في نفوسنا.


ولا يختلف الكثير منا على أن أشقاءنا السودانيين من أطيب شعوب الأرض وأكثرهم وفاء وطيب معشر، وهم مع هذا شعب معتز جداً بنفسه عرف قدر أصالته ونبل أخلاقه فقدر نفسه حق قدره.

شعب مسالم يحترم نفسه ويجبرك على احترامه، والزول دايما ما داير مشاكل..

فالسوداني حين يبتسم أقول في نفسي لله در ابتسامة خرجت من رحم معاناة في ظل وطن يعاني الأمرين جيلاً بعد جيل من ظروفه السياسية والاقتصادية التي طحنت هذا الشعب في رحاها واستحلت عرقه وعافيته، ورغم ذلك نجد أبناءه المغتربين في كافة بقاع الأرض من أطباء ومهندسين ومعلمين وعلماء وأدباء وعمال وطلاب قدوة في تفاؤلهم ووداعتهم وكرمهم وتصالحهم مع الحياة.

وقد راعني ما شاهدته على شاشة التلفاز جراء الفيضان الذي طغى على أرضهم فأغرق ترابها ومزارعها ومحاصيلها ومدنها وقراها، وأغرق معها أرواحهم في الأسى وقلة الحيلة.

وأشعرني بالمرارة منظر شبابهم وهم يحملون أكياس الرمل ليضعوها سدوداً متواضعة تدرأ عن جدران بيوتهم المتهالكة سطوة الماء، وأبكتني رؤية أطفالهم يجلسون القرفصاء وأيديهم على خدودهم على جوانب الطرقات التي ما عرفوا ملاعب لطفولتهم سواها وقد أصبحت مسارات لمياه الفيضان الجامحة.

ورأيت نساءهم اللاتِي اعتدنا أن نراهن مستقيمات الظهر فيهن أنفة وقوة وقد أصبحن يمشين بخطوات ثقيلة ونظرات منكسرة وقد ارتخت أكتافهن من هول المصاب.

وشيوخهم وهم يلوحون بأيديهم السمراء النحيلة الفارغة إلا من دموعهم فلا تدري أهم يرشدون الشباب ويوجهونهم بعجز وإنهاك أم أنهم يلوحون للقادم المجهول.. أن كفى.

قضيت عمري وأنا ترهقني وجيعة الراضي.. وتقصم ظهري غصة المتسامح.. وتشق على روحي ولولة من كانوا يزغردون لأفراحهم البسيطة التي تكافئهم بها الحياة على صبرهم.

إن هذا الشعب الصبور المكافح، وهذه الأرض الطيبة التي استمدت طيبتها من رفات أبنائها الطيبين المدفونين في ترابها على مر الزمن، والغنية بالخيرات والموارد البكر، والتي يشقها النيل كشريان حياة، لم تنصَف و لم تأخذ حقها من التعمير والتقدم والبناء والتطور رغم كثرة أبنائها وولائهم لها وتفوقهم في كافة المجالات.

والآن أتتهم الطبيعة بهذا الفيضان كمارد لم يرحم وهن أجسادهم ولا بيوتهم ولا ضعف حالهم، وكأنما يسترد منهم خيرات ونعماً منحها لهم طويلا فلم يستثمروها.

ولكنه قدر الله وحكمته، فالبلاء هو عطية الله دائماً للطيبين، ليستحقوا بصبرهم من متاع مقيم عنده أضعاف ما استحقوه في الدنيا ولم يستطيعوا إليه سبيلاً.

ولو كانت للأرواح ألوان لكانت أرواح السودانيين السمر أبيض من الغمام، ولو كانت للنفوس معادن لكان معدن هذا الشعب من الذهب.

وتبقى قيادتنا الحكيمة دائماً سباقة إلى ميادين الخير بما سارعت بإرساله من حملات إغاثية لهذا البلد المنكوب، لعل في عطاءاتها ما يربت على أكتاف السودانيين ويواسيهم في مصابهم.

وتبقى رحمة الله هي المنجية من كل كرب.

ولكم منا يا شعب السودان صادق الدعوات أن يحمي الله بلدكم وأرضكم و بيوتكم وأرواحكم، لعل في دعواتنا دعوة تكون ذات ألواحٍ ودسر تحملكم في هذا الطوفان إلى بر الأمان..

وقفة:

إن حظي كدقيقٍ فوق شوكٍ نثروه

ثم قالوا لحفاةٍ يوم ريحٍ.. اجمعوه

صعب الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه

إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه

الشاعر السوداني/‏ إدريس جماع

كاتبة سعودية

r.a.k.saudiarabia@gmail.com