-A +A
حمود أبو طالب
مخطئون من يعتقدون أن العالم يتوقف عند أفكار وقضايا وملفات معينة، بحيث تستمر سنواته في الترادف دون تغييرها. لا شيء يبقى ثابتاً لأنه في الأساس لا يمكن أن يتفق البشر على صواب شيء أو خطئه، والمعطيات التي تحدد أياً من الرأيين بالصواب والخطأ هي متغيرة وخاضعة لمتغيرات الزمن وما يترتب عليها من تغير في المفاهيم والأفكار والقناعات، ولا شيء يؤكد ذلك مثل قضايا السياسة والعلاقات الدولية في عالم أصبح متشابكاً سريع الإيقاع وحافلاً بالمفاجآت والمصالح المتقلبة.

لننظر إلى الأحداث التي طرأت على علاقات العالم منذ نهاية الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق الذي تفكك فيما يشبه الخيال لترثه روسيا الاتحادية، ماذا حدث بين الدولتين، وكيف نشأت قوى عالمية جديدة، ونشأت علاقات بين دول كانت أشبه بالمستحيل، كيف اختفت دول واهتزت اتحادات ومجموعات سياسية، وذهب بعضها من النقيض إلى النقيض، كيف تغيرت معايير القوة والنفوذ والقواعد التي تحكم تبادل المصالح بين الدول، كل شيء يتغير في هذا العالم بشكل لم يعد ممكناً معه التنبؤ بما يمكن أن يحدث يوم غد، فكيف يمكن لشعارات مضت عليها عقود طويلة أن تصمد مع هذا الطوفان، وكيف يمكن لما لم يتحقق خلالها أن يتحقق في حقبة زمنية كل يوم فيها لا يشبه أمسه.


الشعارات الفضفاضة الكبرى المستمدة من الحقب الماضية لم يعد لها تأثير في هذا العصر، الفانتازيا السياسية أزاحتها الواقعية العملية والمصالح الوطنية، الخطاب الشعبوي الدوغمائي الذي يهيج المشاعر استبدله الخطاب البراغماتي العملي الذي يتحرى تحقيق الفوائد للشعوب وليس الزج بها في أزمات متلاحقة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

الذين يريدون البقاء في الماضي بكل ما سببه من متاعب جماعية عويصة ذاك شأنهم، والذين يبحثون عن مستقبلهم الآمن المزدهر وفق معاييرهم وحاجاتهم ذاك شأنهم أيضاً وليس لأحد حق الاعتراض عليهم. الدولة الوطنية المستقلة من حقها اتخاذ ما تراه مناسباً لها طالما لا يمس مصلحة أو سيادة دولة أخرى أو يسبب لها الضرر.

كاتب سعودي

habutalib@hotmail.com