-A +A
عبدالرحمن الجديع
تتزاحم الأفكار إزاء تناول مفهوم التمايز بين البشر، ومدى عمق أو ضآلة هذا التمايز بين أجناس الناس، وما يحمله ذلك في مضامينه من عراك وتضاد فكري واجتماعي ونفسي وتعطش إلى مواكبة الحياة.

التمايز، الذي نحن في صدده هنا، يتمحور حول كينونة الاختلافات، ومع أنّ ذلك يعد أمراً طبيعياً في سياقات الحياة البشرية، وهو سُنّة من سنن الكون، لكنه عامل غالباً ما يؤثر على ثقافة المجتمعات.


إنّ التفاعل بين المجتمعات الدولية، من حيث أسس وتوجهات المنطلقات الفكرية والثقافية، يجسّد إغناء لعملية المحاكاة الثقافية، واستيعاب الآخر والنهل من ثقافته. ومع وجاهة وجدوى هذا الاحتكاك الفكري والثقافي مع المجتمعات الأخرى، إلا أنّ هذه العملية التفاعلية ينبغي ألا تطغى على القيم ومرتكزات المُثل الثقافية؛ أي لا يجوز التفريط بقيمنا وثقافتنا العربية، إذا كنا بصدد استقبال الوافد الجديد ومحتواه البنيوي.

إنه لأمر ضروري فتحُ الأبواب واستكشاف الآفاق، فذلك يتسق مع المعطيات والمنطلقات التي توجّه التواصل بين البشر، وبالتالي فإنّ المضي في التبادل المعرفي والتثاقف بين المجتمعات عربياً ودولياً له مزاياه الواضحة؛ إذ إنّ ذلك يمثل ينابيع دافقة تحمل نكهات مميزة، كما يعبّر المتنبي الذي يقول إنّ في الخَمر معنىً ليس في العِنب. ومع ذلك لا يتطلب الأمر الانصهار في بوتقة فكرية وقوالب اجتماعية معينة، ولا نحسبنّ أنّ الآخر المعافى من الغطرسة يودّ أو يشترط هذا الانصهار.

ما نشهده من روح جديدة وهمة متعالية، في الجيل الحالي من شبابنا وشاباتنا، يدفعنا إلى أهمية النهوض والعمل على رفع مقوّمات التواصل الاجتماعي بين أفراد هذا الجيل، مع الأخذ بالمعايير السليمة، بعيداً عن التعلّق بشوائب الماضي وعثراته.

لقد تجسدت، بين ظهرانينا، صور عذبة تبعث فينا بوارق الأمل للوصول إلى مجتمع حيوي ينبض بروح وثابة نحو العمل والتكافل، حيث رأينا ذلك رأي العين والفؤاد، في مواقف شبابنا واندفاعهم للتطوع منقطع النظير؛ للتصدي لجائحة فيروس كورونا التي فتكت بأبناء البشرية وحبستهم خلف جدران الخوف والفزع.

لكنّ شبابنا قاوموا الخوف بالمبادرة الخلاقة، وراعوا في ذلك الاشتراطات الصحية، فكانوا روّاداً مثقفين على درجة من الوعي والحرص وشدّ النفس، وكتبوا بتفانيهم أنصع صفحات العطاء والتضحية، فكانوا جنوداً في معركة الحياة في مواجهة مرض لعين لا يرحم.

انتصرت روح الشباب، وأضيئت منائر المبادرات التطوعية، وأكد شبابنا أنهم حلم الغد، وروح المستقبل الواعد المليء بالأماني والتفاؤل. وفضلاً عن ذلك، كسر هؤلاء الشباب، من كلا الجنسين، الصور النمطية العتيقة والمجحفة، باعتبارهم متقوقعين على أنفسهم، أو أنهم مستلَبون فكرياً وحضارياً، حتى جاءت الجائحة الكورونية، وقلبت الصورة رأساً على عقب.

على مثل هذه الملامح تفاعل وهبّ الشباب لنجدة أهلهم وشعبهم وناسهم، فحقّ أن يفرح بهم الغد، لا سيما وأنهم اعتصموا بحب الإنسانية، وإغاثة الملهوف، ومساعدة المحتاج، رافعين شعارهم الخالد: وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.

ولا شك، في ضوء ذلك، أننا نقف على أعتاب مرحلة جديدة تعجّ بالتحولات، وتبث روح الثقة بالنفس، وتبشّر بتولّد مذاق خاص مفارق وبالانتقال إلى آفاق رحبة من النماء والبناء، في مجتمع عامر بروح المحبة والجمال والولاء.