-A +A
رامي الخليفة العلي
في تصريحه الأخير تجاوز وزير خارجية النظام التركي كل حدود المنطق ووقف على أعتاب الجنون عندما راح يناشد حلف شمال الأطلسي (الناتو) التدخل في ليبيا ضد الدول العربية وبالطبع ضد الجيش الوطني الليبي وأخيرا ضد الجيش الفرنسي، لأن فرنسا تقاتل في ليبيا لصالح قوات الجيش الوطني بحسب زعم وزير أردوغان، المشكلة التي نسيها الشاويش أوغلو أن فرنسا هي من الدول المؤسسة لحلف الناتو وهي جزء لا يتجزأ من القوة الأطلسية، يعني تخيل أن قوات فرنسية تابعة لحلف الناتو مثلا تنزل على السواحل الليبية لمقاتلة قوات فرنسية. حدث العاقل بما يعقل. هذا التصريح يأتي في إطار ثلاثة سياقات تعودنا عليها من النظام التركي: السياق الأول هو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينظر إلى مستمعيه ومريديه مجرد قطيع من الغوغاء، يسمع ويطيع بدون تمحيص، لذلك لا يتورع الرئيس التركي وعصبته عن الكذب، والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى ودعونا في هذا المجال نعطي مثالا واحدا وهو عندما صرح أردوغان بأنه لن يسمح بحماة أخرى في سوريا وحدثت عشرات المجازر دون أن يحرك ساكنا. أما السياق الثاني فهو سوء السياسة الخارجية التركية التي لا تدرك حدود السياسة الدولية، بالمناسبة هذه ليست المرة الأولى التي يناشد فيها الوزير التركي الناتو للتدخل لحماية المصالح التركية، بل حدث ذلك عشرات المرات ولم يتعلم الدرس كما حدث عند إسقاط الطائرة الروسية (يبدو أن التكرار يحتاج فعلا إلى شطار لكي يتعلموا وهذا ليس متوفرا في تركيا). أما السياق الثالث فهو حجم الورطة التركية في الرمال الليبية التي بدأت تغوص فيها، فأردوغان كان يمني النفس بأن تكون مهمة جنوده ومرتزقته في ليبيا نزهة بسيطة خصوصا أنها بتمويل قطري، وبالتالي أيام قليلة ويتم القضاء على الجيش الوطني وكل المعارضين للمليشيات الإرهابية التي لطالما دعمها، ولكن جنوده ومرتزقته عمليا غاصوا في الرمال المتحركة الليبية، ولعله لم يقرأ جيدا التجربة الإيطالية في استعمار ليبيا وكيف أذاق عمر المختار وصحبه المحتل مر العذاب، وكان على موسيليني أن يتعامل مع الليبيين كقوة عظمى سير لها حملات تلو أخرى. ليبيا تحولت في الأسابيع الماضية إلى فيتنام تركيا وسوف تكون عنوان الفشل في السياسة الخارجية الأردوغانية، ولن يخرج كما دخل بل سيكون مذموما مدحورا. بالمناسبة كان الأولى به أن يدعو أصدقاءه في طهران وكوالالمبور لعلهم يجيبون على الأقل بتصريحات رنانة تحفظ ماء وجه الرئيس التركي ووزيره، ألم يعدونا هؤلاء أنهم سيفعلون الأفاعيل ويغيرون خارطة العالم الإسلامي، ألا يستطيع حلفاؤه أن يجودوا عليه بنصيحة تدله على طريق الخروج وتحفظ دماء جنوده ومرتزقته. ولكن هيهات... هيهات، فكلام الصالونات والمجاملات لا يمكن أن يغني عن الواقع شيئا. أما محاولات شركة البترول التركية سرقة ما يمكنها سرقته بأقرب وقت، لذلك طالبت بالتنقيب عن النفط فهي محاولة بائسة لن تسمن أو تغني من جوع أردوغان ونظامه.

* باحث سياسي


ramialkhalife@