-A +A
عبدالرحمن الجديع
لا يعني تناول الحديث عن آفاق المستقبل رجماً في الغيب، أو استكشافَ باب المندل، إنما تعتمد على دراسة تستند للمعايير العلمية، والمعطيات التقنية، والمحركات الأساسية لديناميكية التنمية بأبعادها المختلفة، فضلاً عن استقراء القوى الاجتماعية والثقافية، ثم المقاربة بين الأساسي والثانوي، وذلك للاستعداد لمرحلة البناء الجديدة التي تُضاء بها جنبات المملكة من كل حدب وصوب.

بيْد أنَّ المملكة أثبتت أنها تسير بخطى ثابتة وواثقة في كافة مناحي الحياة وفق سياسات وإستراتيجيات مدروسة وهو ما تجلى في اعتراف مجلة «فورين بوليسي» والأبحاث الجامعية الأخرى التي أكدت أن المملكة هي الرابحة وأنها ستخرج من الأزمة الدولية التي صاحبت انخفاض أسعار النفط وما رافق ذلك من تدن في اقتصاديات العالم جراء تفشي جائحة كورونا بقوة، وبما يؤكد دورها المحوري، ويعود ذلك إلى التخطيط السليم والحنكة الواضحة لرؤية المملكة 2030 والأخذ في تنوع مصادر اقتصادها، وتعزيز مكانتها الجيوسياسية والاقتصادية.


المملكة، وهي تقوم بهذه الإنجازات بيقظة واعية، تلج عتبة التطورات والاستحقاقات لمواكبة متطلبات العصر الحديث وتنويع مقوماتها الاقتصادية ومواجهة التحديات التي تتصل بالنمو الاقتصادي الذاتي ومتطلبات المرحلة القادمة، فإنها تأخذ بمفاهيم التنمية المستدامة واستشراف متطلبات مستقبل الغد اعتماداً على العلم وأسس التقنية.

تدرك المملكة أنها تواجه تحديات كبيرة في النهوض بالمجتمع، وتعتمد وفق المعطيات الحديثة في عالم الإنترنت، والثورة المعرفية، بحيث أصبحت التقنية والإنترنت ركنين أساسيين في النمو والبناء والتقدم، كيف لا والعالم يشهد ابتكارات مذهلة في التقنية اللامتناهية في المدى، والمتناهية في الصغر، مثل تقنية (quantum) التي ستُحدث دوياً هائلاً في ثورة التقنيات ومستقبلها في العلوم والطب والإستراتيجيات الأمنية، وخطط الدولة، ونقل المعارف التقنية المستدامة. ويعتقد العلماء أنه سيتم استخدامها قريباً في كل شيء بدءاً من المصابيح الكهربائية، مروراً بتقنية تصوير الخلايا السرطانية، وصولاً إلى تصميم الجيل القادم من الخلايا الشمسية فائقة الكفاءة، وسواها من ابتكارات لا تحدّها ضفاف.

من المؤكد أنّ هذه المتغيرات المتسارعة سيكون لها انعكاساتها على القوى الفاعلة في المجتمع، وخصوصاً على الشباب الذين هم خميرة ووقود التغيير في المجتمعات المعاصرة، وهاهي بشائر التحول الذي تشهده المملكة، بتوجهات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله، وقيادة ولي العهد، تتجلى من خلال الروح التوّاقة المتأججة حيوية ونشاطاً وفكراً وإبداعاً، من حيث الاعتماد على القدرات الوطنية في أسلوب إدارة أزمة جائحة كورونا، إذ شاهدنا المصانع الوطنية بالمملكة ترفد المواطن بكل احتياجاته الحياتية الغذائية والطبية والصناعية، وغيرها مما يلبي المتطلبات، ويفيض عن ذلك، حتى يمكن القول بكل ثقة واقتدار إنّ في المملكة مجتمعاً منتجاً، لا مستهلكاً، كما يظن بعضهم.

إنّ تبيئة الجيل الجديد على مفاهيم تتّسق مع التطور الذي تشهده المجتمعات المتقدمة، وضرورة زيادة الوعي، والاستمرار بعملية التغيير والتحولات، ومقاربة المفاهيم الحديثة، والأخذ بأنماط التمدّن، والتشبّث بثقافة الانفتاح، هي نماذج مضيئة لرؤية 2030.

وبالتوازي مع ذلك، فإنّ ما تشهده المملكة من حراك بنّاء ونهضة شاملة وتواصل مع التفاعلات الدولية في المجتمعات الأخرى في الميادين كافة، أمرٌ يجسّد الاشتباك بثقة مع استحقاقات الحداثة والارتقاء.

‏وبلا ريب أنّ ما تحتضنه المملكة، بفخر، من إنجازات ومتغيرات اجتماعية، في بناء المجتمع الجديد، وأخذ دورها الطبيعي في إثراء التنمية الشاملة وقضايا المجتمع المختلفة، يعكس بجلاء الرؤية الثاقبة والوعي الواضح للقيادة الحكيمة، وإدراكها العميق لمتطلبات المرحلة القادمة، وهذا من شأنه أن يحقق طموح المجتمع السعودي إلى حياة أفضل، وفق رؤى إستراتيجية سليمة، مع ثبات على المبادئ الإسلامية، بعيداً عن الذهنية العتيقة واحتقار الآخرين.

التغيّر والتغيير من سنن الكون، ومسايرة الركب الحضاري واعتماد مفاهيم التنمية المستدامة في العمل والممارسة والسياسات البنّاءة والخطط الإستراتيجية واجبُ المجتمعات الحية المتقدمة، وجزء أصيل من مسؤولياتها تجاه الأجيال المقبلة. وما الأخذ بهذه المفاهيم والأنماط الفكرية التنموية إلا تجسيد إبداعي لرؤية ومكانة المملكة التي تستحقها، وتلبي من خلالها تطلعات الشباب الذي يمثل غالبية الشعب السعودي ورؤيته المستقبلية، وحلمه المتواصل في التحليق الواثق بجناحَي الأصالة والمعاصَرة.

* كاتب سعودي

AGdaia@