-A +A
طلال صالح بنان
الأصل في العلاقات بين الدول كونها طبيعية، تعكس رغبة الحكومات والشعوب في التعاون.. والاحترام المشترك.. والندية، ونبذ اللجوء للعنف لحل الخلافات، في إطار من المحبة المشتركة للسلام. حتى في حالة وجود سوابق تاريخيةٍ لعلاقاتٍ غير مستقرة، فإن هذا لا يمنع تطور علاقاتٍ مستقبلية، تجعل من حالة العداء السابقة تاريخاً، لم يبق من مرارته شيء، لا في سلوك الدول.. ولا في ذاكرة الشعوب وضميرها.

لكن الوضع مختلف، في ما يخص، وجود إسرائيل في قلب العالم العربي، على حساب أمن العرب القومي.. وحقوق الفلسطينيين التاريخية. لقد فرضت إسرائيل واقع وجودها، بالقوة وبدعمٍ من القوى الكبرى، في غفلةٍ من التاريخ وضمير الإنسانية، في تحدٍ سافرٍ للسلام.


هنا: يصعب إقامة علاقاتٍ طبيعية، حتى لو فرض منطق الدولة، إقامة علاقاتٍ دبلوماسيةٍ بين بعض الدول العربية وإسرائيل. لذا: نجد الدول العربية، التي لها سفارات في تل أبيب، ما زالت قوانينها الداخلية تجرم أي شكلٍ من أشكال التطبيع مع إسرائيل، التزاماً باعتبارات الأمن القومي العربي، قبل أن يكون موقفاً أخلاقياً مبدئياً بقضية الشعب الفلسطيني.

هذا، يتسق أيضاً، مع موقف النظام العربي الرسمي. ما زال أعضاء الجامعة العربية (جميعهم)، ملتزمين بمقررات قمة بيروت ٢٠٠٢، التي ربطت بين التطبيع مع إسرائيل وإنهاء احتلالها للأراضي العربية. حتى، لو فرض جدلاً، أن إسرائيل استجابت لمبادرة السلام العربية، فإنه يصْعب ضمان قبول الشعوب العربية لفكرة التطبيع مع إسرائيل.

الأمر يقتضي ما هو أبعد من انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية، بما في ذلك إقامة دولةٍ فلسطينية، عاصمتها القدس. بدايةً: ذلك افتراض بعيد، لن تقبل به إسرائيل. الدولة العبرية ما زالت تصر على أن القدس عاصمتها الأبدية الموحدة غير المقسمة.. وتتمسك باحتفاظها بالجولان السورية.. وتسعى إلى ضم غور الأردن.. وترفض، رفضاً تاماً قيام دولةٍ فلسطينية.

الأهم، هنا، وله علاقة بأمن العرب القومي: حقيقة عدائية ثقافة إسرائيل الصهيونية التوراتية العنصرية، التي تتحكم في توجه شعبها وسلوك نخبها السياسية.. كما يفرض واقعها الجيوسياسي، استراتيجيتها التوسعية. إسرائيل، باختصار: كيان دخيل على المنطقة، غير قابلٍ للانصهار والتكامل فيها.

في حقيقة الأمر: الجدل حول التطبيع مع إسرائيل، الذي أخذ مؤخراً يروّج له إعلامياً وثقافياً، ما تحْكم مصيره علاقات الصراع، التي تجد جذورها في ضمير الشعوب وثقافتها وخلفيتها الدينية، عند كلٍ من العرب واليهود.

المشكلة: أن إسرائيل تريد فرض استسلامٍ «رخيصٍ» على العرب دون حربٍ حاسمةٍ.. وأن العرب، في المقابل: وإن أبْدوا استعداداً، لإنهاءٍ سياسيٍ شكليٍ لحالة الحرب، إلا أنّهم -في وجدانهم وسلوكهم- لا يميلون إلى القبول بوجود إسرائيل، دعك التطبيع معها.

التطبيع مع إسرائيل قضية أمنٍ قوميٍ عربيٍ استراتيجية، بخلفيةٍ تاريخيةٍ وحضاريةٍ ودينيةٍ وأخلاقية وجيوسياسية، لا تحلها «هرطقات ثقافية».. وأعصى من أن تسوق لها مسلسلات درامية... ولا حتى منطق الدول.

* كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com