-A +A
علي مكي
«طق.. طق.. طق»، طَرَقات ثلاث تدقُّ بابَ غرفة نومي صباح كل يوم، تكفي لأن يستيقظ قلبي قبل جسدي ويفزّ من نومه ليعانق هذا الحنوّ الفريد، لأنها في الحقيقة ليست سوى قبلات رقيقة من أصابع طفلتي «سديم» ذات العشرة أعوام، إذ أعرف جيداً كيف أميز بين صوت طرقاتها وأصوات الطرقات الأخرى، كون سديم طفلة رقيقة حنونة تلعبُ مع الغيوم كل يوم، وتحطّ الفراشاتُ على يديها تطارد ضوءهما الكريم، أما الهواء فهو لا يملّ دوماً، صباحا مساء، من مداعبة خصلات شعرها المظفور بالعبق المستدام.. فيما العشبُ الذي يزين مدخل بيتنا، من جهتي اليمين واليسار، فيزدادُ اخضراراً وألقاً ويغدو أكثر حياة وانتعاشاً كلما خطت عليه بقدميها الناعمتين كالحرير والطاهرتين مثل قلوب الأطفال.

عذراً منكم قرائي إن سرقتني «سديم» وذهبتُ فيها عالياً وبعيداً، إنها حبّةُ القلب وخاتمة العمر الأخيرة.. هي ضوءُ العينين ومياهُ الروح الكريمة. المهم أنها توقظني في صباح باكر لتأخذ جهاز الكومبيوتر المحمول والآيباد الخاصين بها، فضلاً عن أجهزة شقيقتها وشقيقها اللذين يكبرانها بـ 6 أعوام اثنين منها لـ «ملك» والأربعة الأخرى لـ «تركي»، فهي، أي سديم، السفيرة المفوضة للبيت كله في مخاطبتي للحصول على أي مطالب تتجاوز الحقوق أحياناً، وكنت قد تعودت أن أحمل أجهزتهم كل يوم عند السابعة مساء وأضعها في غرفة مكتبي حتى لا تلهيهم عن مواعيد نومهم وتربك جدول استعداداتهم للمدرسة، ثم أسلمهم هي صباح اليوم التالي عندما تتدخل سديم بقبلاتها على بابي. (أرجو أن يعذرني سعادة رئيس التحرير والقراء الأعزاء إن خصصتُ نصف المقال اليوم عن «سديم(ي)»، فهي تسحبني إلى ما لا أعرف دائماً من الدهشات والنور العميم الذي يصنع هالته المستحبّة في حضرتها، وربما أكثر لكي أضع لها شيئاً يحاول أن يوازي قيمتها عندي فتقرأ هذه الكلمات والحروف عندما تكبر لتتيقن كم أحبها، لأنه لا شيء في الدنيا يثبتُ أنّا نحبّ إلاّ الكتابة). (!)


في مدارس كاوست في جميع مراحلها، بدءاً من رعاية الطفولة المبكرة إلى الصف الثاني عشر، أو على الأدق من الصف الأول إلى صف 12 يوجد لكل طالب وطالبة في كاوست جهاز كومبيوتر (أبل) محمول، يستخدمه كل الطلبة في دروسهم داخل المدرسة، وحدهم الطلبة من الصف 6 إلى تمام الثانوية يحملون أجهزتهم معهم كل يوم إلى بيوتهم لأداء الواجبات وإتمام المشروعات البحثية التي يعملون عليها، في حين أن الطلبة إلى الصف الخامس تبقى أجهزتهم في فصولهم، حتى جاءت ظروف وباء كورونا لتقرر الدراسة عن بعد حسب قرار السلطات السعودية في الثلث الثاني من مارس الماضي، فعمدت مدارس كاوست العالمية إلى دعوة أولياء الأمور مع أطفالهم في المرحلة الابتدائية إلى استلام أجهزة الكومبيوتر المحمولة، كما تمت إحاطة الجميع في كل المراحل بآليات وتنظيم وجدول الدراسة (أونلاين).

تميزت مدارس كاوست في تدريسها لطلبتها عن بعد، بأنّ أسلوب الدراسة في تقدمه وعمقه وكثافته لم يختلف عن المرحلة التي سبقت كورونا، إن لم يكن قد حقق أهدافاً أكثر وزاد من حماس الطلبة حتى مع تخفيض وقت الدراسة إلى 5 ساعات عوض 7 ساعات ونيف قبل الأزمة.

يستيقظ طلبة كاوست مبكراً ويرتدون ذات اللبس الذي يرتدونه للدوام في مدارسهم، حسب تعليمات إدارة المدارس في جامعتهم، وهي التعليمات التي أكدت عليهم أن يذهبوا بأجهزتهم إلى مكاتبهم أو طاولاتهم، وليس فوق الأسرة أو على الأرض، ليبدأوا دروسهم مع معلميهم. بعد انتهاء المدرسة في البيت، أي بعد الواحدة ظهراً يتجه الطلبة من الصف 6 إلى 12 إلى اجتماعات مع أقرانهم عبر موقع (قوقل) لإنجاز مشروعات بحثية علمية يعملون فيها بشكل جماعي بإشراف أساتذتهم.

قبل الختام، أريد أن أقول شيئاً أعجبني وأرجو أن تستفيد منه المدارس في التعليم العام، وهو أن المعلمين والمعلمات في كاوست يتواصلون، عبر الإيميل، مع أولياء الأمور وينبهونهم إلى أي قصور قد يحدث لدى أطفالهم بلغة مهذبة ورائعة تحمل تذكيراً لا لوماً، كما فعلت معلمة لغة عربية مع أحد أطفالي يوم الجمعة الماضي، وذكرتني بتأخر قراءة طفلتي لقصص وكتب للأطفال عبر موقع معين والإجابة عن الأسئلة بعد القراءة، وقد أعدتُ تذكير طفلتي بذلك وكنت معها السبت الماضي على جهازها، قرأنا كل القصص، وأجابت هي عن جميع الأسئلة، وكانت المفاجأة - (لأنه يوم عطلة) - أن معلمتها ردت عليها على الفور تشكرها وتحفّزها أكثر. عندها أيقنتُ أنه لا عطلة في (كاوست) حتى في أيام جائحة (كورونا)!

* كاتب سعودي

ali_makki2@