-A +A
طارق فدعق
عنوان المقال هو من أجمل الكلمات المعبرة عن المفاجآت. وتعكس العديد من المعاني ومنها اكتشاف عدم الإدراك، بالرغم من وضوح الفكرة، أو الصورة، أو المعنى.. يعني مفهوم الفكر «المفوّت».. ويصاحبها عادة ضرب الجبين. أوقفتني الكلمة أثناء تحركي بسرعة 885 كيلومتراً في الساعة وعلى ارتفاع 11 ألف متر فوق سطح البحر الأحمر المتوسط، وذلك أثناء تحليق طائرتنا البوينج 777 جنوباً نحو أرض الوطن من شمال أوروبا فوق البحر الأبيض المتوسط. وتأملت في جهلي المخجل بالعديد من الأمور الأساسية ومنها بدهيات الجغرافيا. طبعاً عند ذكر هذه الكلمة، نتصور تشكيلات وطبيعة الأرض ولا نتصور «جغرافيا» المياه.. تخيل أن حتى الاسم الذي يطلق على كوكبنا بأكمله هو «كوكب الأرض» مع أن المياه تشكل معظم سطحه، بل وتصبغه باللون الأزرق الجميل من الناظر إليه من الفضاء.. يمكن الاسم الأكثر دقة مفروض أن يكون «كوكب المياه». ومن العجائب التي لا نفكر فيها هي التباين الهائل بين الشواطئ الأوروبية والأفريقية، وهي واضحة أمام شباك الطائرة.. حتى ولو كان النظر «شيش بيش». ستلاحظ أن الشواطئ الأوروبية مليئة بالجزر والنتوءات الجغرافية من شروم وخلجان، وكلها تساهم في إيجاد البيئة الملائمة لتكوين الموانئ. وتساهم السلاسل الجبلية في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا في إيجاد هذا التباين الجغرافي العجيب. ولتتوقف لحظة عند هذه النقطة فلو تأملت في المدن التاريخية حول العالم ستجد أن معظمها موانئ: روتردام، وهامبورج، وبرشلونة، ونيويورك، وغيرها. وسبحان الله ستجد أن الموانئ والجزر في القارة الأوروبية هي أكثر بكثير مما تجد في أفريقيا.. وعلى سبيل المثال فضلاً انظر في شرق البحر الأبيض المتوسط وستجد المئات منها، وبعض منها كونت بلدانا بأكملها ومنها قبرص ومالطة، على سبيل المثال. ولكن لو بحثت عن الجزر المطلة على القارة الأفريقية في البحر الأبيض المتوسط ستجد أنها نادرة جداً. وبما أننا نتحدث عن المياه، ففضلاً قارن بين أنهار أفريقيا وستجد أنها تختلف تماماً عن أنهار أوروبا فالأولى تصب في البحر مباشرة وبالذات نهر النيل الذي ينعش مجموعات أراضٍ كثيرة قبل أن يصل إلى البحر. وأما الأنهار الأوروبية، فتحجبها السلاسل الجبلية المنيعة. الجغرافيا تضيء لنا العديد من الروائع سواء كانت جيولوجية، أو اقتصادية، أو سياسية.

أمنيـــــــــة


الجلوس عند نافذة الطائرة والتأمل فيما نرى هو عبارة عن متعة تعليمية رائعة لاستكشاف روائع الدنيا في السماء، وعلى الأرض، وفي البحار أيضاً. أتمنى أن نستعد لتغيرات جغرافية مهمة في ضوء التغيرات السياسية التي يشهدها العالم العربي. فالغالب أن يرى أبناؤنا وأحفادنا جغرافيا سياسية مختلفة عما نرى اليوم. والله يستر..

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي