-A +A
إبراهيم المعيقل
لا يمكن أن نتصور نهضة تعليمية دون أن تكون هناك هيكلة حقيقية للتعليم تبدأ من الطفولة المبكرة، وإنني -كأب أولاً وكمتخصص ثانياً- ألمس حاجة التعليم الماسة لدينا إلى الاهتمام بتحسين المدخلات في مرحلتين محددتين. أولى المراحل ترتكز على أن تكون بداية التطوير تستهدف الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة بشكل نوعي وبشكل فعّال يجعل الطالب يهرع إلى المدرسة ولا يهرب منها! وينتقل التطوير مع الطفل عبر مراحله الدراسية المختلفة معتمدين في ذلك على منهج مرتبط بالواقع ومتطلع للمستقبل ويتم تقديمه للطالب من خلال معلمين ومعلمات أكفاء لديهم مهارات وقدرات معلم القرن الواحد والعشرين، التي يجب أن يتم استهدافه بها من خلال برامج إعداد خاصة به تُراعي أن يتوفر لديه -من وجهة نظري- ثلاثة جوانب رئيسية، وهي: الاستعداد المعرفي والشغف والمهارة. ويمكننا كشف هذه الجوانب الثلاثة من خلال تطوير مناهج التعليم بداية ببرامج الطفولة المبكرة والامتداد بباقي المراحل التعليمية حتى نصل للمرحلة الثانوية والتي تتطلب زيادة المسارات التي تتيح للطالب القدرة على اختيار المسار الملائم لقدراته بالاستفادة من مقاييس القدرات والتوجهات العالمية لاستقطاب مَن تُظهر المقاييس استعداده لممارسة التدريس من الطلاب وإلحاقه ببرامج إعداد المعلم. وهذه هي المرحلة الثانية من مراحل تحسين المدخلات، حيث تساهم هذه الخطوة في معالجة التكدس في الجامعات وتفتح للطالب آفاقاً متنوعة لا يجد نفسه معها مُجبراً على الذهاب للجامعة وانتظار وظيفة التدريس -كما هو حاصل الآن. وكما أشار معالي الوزير في عدة مواضع إلى أن 100% من طلاب الثانويات يُعدّون لدخول الجامعات، 80% منهم يدخلونها فعلاً ! بينما الناتج لا يعدو كونه تكدساً وهدراً للثروة البشرية والمادية وضعفاً خطيراً في جودة المخرجات. وهناك العديد من التجارب الدولية والتي استهدفت تطوير التعليم ونجحت في إحداث نقلة في نواتجه من الممكن استهدافها والاستفادة منها بحذر، فليس كل ما ينجح في دولة قد يلائم دولة أخرى. وعلى سبيل المثال هناك التجربة السنغافورية التي قدمت أنموذجاً فريداً من نوعه في تطوير التعليم يعتمد على عدد من العناصر، من أبرزها اختيار المتميزين للاتحاق ببرامج إعداد المعلم، وكذلك إقرار برامج تعليمية متميزة لإعداد المعلم في المرحلة الجامعية، مشتملة على برامج بكالوريوس ودبلوم، كما اهتمت أيضا ببرامج التدريب الإلزامي المستمر أثناء الخدمة للمعلمين.

ويحسُن بنا أيضاً الاستفادة من تجربة الكليات الطبية التي قصرت القبول فيها على المتميزين ووضعت معايير عالية لذلك، وهذا ما أنتج لنا عدداً لا بأس به من الأطباء الوطنيين المتميزين، ولا يمكن أن تكون مهنة التعليم أقل شأناً وأضعف عناية في اختيار المنتسبين لها من المهن الطبية، فالأجدر في هذه المرحلة هو تمهين التخصصات الإنسانية والنظر إليها نظرة جادة تعيد الهيبة للتعليم وتصنع أجيالا قوية وقادرة على مواجهة العمل بخطى ثابتة.