أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1333.jpg&w=220&q=100&f=webp

إبراهيم المعيقل

حتى لا تكون فجوة !

يخطئ من يعتقد أن علاقة الإنسان بسوق العمل واحتياجاته حديثةٌ؛ فسوق العمل قديم قِدَم البشرية، والفرد هو الذي وضع قواعده وحدد احتياجاته. وإن عدم الانتباه إلى هذه الحقيقة قاد الكثيرين للأسف إلى الحيرة في تحديد تعريفٍ لسوق العمل متفق عليه، وأعتقد أن الجهود التي تُبذل في هذا الإطار لن تحقق هدفها بعد لأنها ببساطة أغفلت حقيقةَ أن الإنسان هو الذي يتحكم بسوق العمل لا العكس!. وأصدق القارئ القول بأن شعوراً لا يخلو من قلق قد انتابني مع التصريحات المتداولة حول إغلاق «عشرات التخصصات» تلبيةً لاحتياجات سوق العمل بدلاً من تقنين القبول بها وتطويرها لتتناسب مع حاجة سوق العمل. وبالرغم من أهمية السعي إلى سد الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل؛ إلا أن قلقي جاء انعكاساً لخشيتي من أن يتم التعامل مع مفهوم سوق العمل واحتياجاته بلا اعتبار لأحد أهم أهداف الجامعات ألا وهو «البحث العلمي».

بداية، يجب علينا ألا نَغفل عن فئة من الطلبة والذين يستهدفون تخصصات متنوعة ليس رغبةً في التوظيف بقدر ما هو تطلّع إلى طلب العلم بحد ذاته؛ والإسهام بفاعلية في جانب البحث العلمي والتأليف من خلاله، والذي يقوم بدوره في إثراء المكتبة العلمية الوطنية ويسهم في دعم قرارات ومشاريع المؤسسات الوطنية الحكومية والخاصة. وإن إغلاق بعض التخصصات التي تستهدفها تلك الفئة من الطلاب قد يخلق فجوة جديدة تستنزف الجهود والوقت لسدها مرة أخرى. ومن وجهة نظري، ليس على الجامعات في نظامها الجديد أن ينحصر دورها -على أهميته- في سد فجوة مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل؛ إذ إن ذلك يؤدي إلى إغلاق تخصصات لها عمق وإرث علمي كبير بذريعة عدم وجود فرص وظيفية في الوقت الحالي. ولعل مرور أكثر من خمس سنوات على إيقاف القبول في معظم برامج إعداد المعلم كفيلٌ بالتدليل على انحسار دور الجامعات في هذا المجال ذي الأهمية البالغة؛ حيث نصّت الرؤية على تعزيز دور المعلم ورفع تأهيله.

وعلى ذكر برامج إعداد المعلم المهجورة، فإنني أجد نفسي واقفاً على أطلالها مستذكراً اشتعالها بالحياة قبل أن ينطفئ وهجها وينخر الصدأ مقاعد قاعاتها، حتى تكاد ترى زواياها تعيش حداداً مع الذكريات في مشهد يذكرني بقول الشاعر:

اللهُ يشهدُ ما قلّبتُ سيرتها *** يوماً وأخطأ دمعُ العين مجراهُ !

إن تلك الحال لا يفسّرها إلا تأخر أو ربما تعثر الجهات المنوط بها جعل برامج إعداد المعلم ذات جاذبية كافية؛ ربما لكثرة القيود والبيروقراطية في تقديم ما يحقق تلك الجاذبية، أو الإخفاق في إقناع المسؤول بأفكارهم التطويرية لتلك البرامج والتسويق لها، ذلك علاوة على الانشغال بترف الخصومة بين أنصار النظام التكاملي من جهة وأنصار النظام التتابعي من جهة أخرى! والصراعات التنظيمية بالمجمل داخل الميدان التربوي والتي لا ينبغي التقليل من خطورتها. التسارع في ظهور أنماط جديدة للتعليم قائمة على التقنيات الحديثة كالواقع الافتراضي والواقع المعزز والميتافيرس يفرض الحاجة الماسة إلى ضرورة قيام الجامعات بدورها تجاه برامج إعداد المعلم من خلال إعادة هيكلتها بداية بتغيير مسماها من كليات للتربية لتصبح «كليات للتعليم والتعلم» والتركيز على التخصصات البينية مع عدم إغفال الإعداد التعليمي (التربوي) وإستراتيجيات التعليم والتعلم التي تفتقر لها التخصصات العلمية البحتة، إضافةً إلى التركيز على إعداد معلم المرحلة الابتدائية مما يتطلب رؤية جديدة تواكب تطلعات وطننا الغالي ليكون معلماً متفرداً بالمهارات المتنوعة التعليمية منها والتقنية، وكذلك المهارة في تصميم المناهج القائمة على الجدارة بالإضافة إلى قدرته على اكتشاف الموهوبين وتطوير قدراتهم واحترافية التعامل مع التلاميذ ذوي الإعاقة، وقد يكون ربط اشتراطات الرخصة المهنية للمعلم بمخرجات التعليم الجامعي داعماً للوصول إلى أفضل النتائج في هذا الصدد. وإني أؤكد على أن التباطؤ في إقرار وتطوير برامج إعداد المعلم قد يجعلنا نجد أنفسنا في مواجهة موجات من السلبيات والأخطار التي تمس مستقبل أجيالنا وثروتنا البشرية من خلال العودة إلى استقدام المعلمين من جديد. وفي هذا الصدد أحيل إلى مقالتي السابقة في عكاظ والمنشورة في الإثنين 17 فبراير 2020 بعنوان: «تعليمنا ينهض.. لمَ لا؟».

إنني لا أبالغ حينما أقول: إن الجامعات مهما حققت من الإنجازات والنجاحات العلمية وتصدّر القوائم الدولية وحصد الجوائز العالمية؛ إلا أنه في حال إخفاقها في جانب إعداد المعلم -كأحد أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030- ستصبح وكأنها تعدو بقدم واحدة لن تصل بها إلى وجهتها إلا متأخرة دائماً وعاجزة باستمرار. أخيراً، فإننا كلنا ثقة بالعقول والسواعد التي تتابع وترصد أدق التطورات التعليمية وأدرك أن الفجوة الحقيقية في التعليم ليست مجرد إحصاءات أو أرقام إنما في الاتصال وصناعة المعنى من التعليم، ونحن بمشيئة الله قادرون.
00:11 | 17-02-2023

التعلّم المدمج.. لماذا التردد ؟!

الكثير من المشتغلين «المخضرمين» بالصحافة يتذكر جيداً كيف كان يسخر من المبشّرين بعصر الصحف الإلكترونية، وهو اليوم يرسل مقالاته عبر البريد الإلكتروني ليُنشر خلال دقائق في مختلف القنوات الإلكترونية لصحيفته!

وهذا تقريباً ما يحصل الآن مع التعليم الإلكتروني بعد جائحة كورونا!.. فلقد كان المعارضون لهذا النوع من التعليم يستميتون في الدفاع عن أسلوب التعليم التقليدي ولا يرون مكاناً للتعليم الإلكتروني إلا في أضيق الحدود، وهم الآن يلقون محاضراتهم ويعقدون ندواتهم وينجزون أعمالهم ويقيمون اجتماعاتهم عبر المنصات الإلكترونية! حتى إن بعضهم أخذ «ينظّر» كالخبير في التعليم الإلكتروني وكأن شيئاً من اعتراضاته السابقة لم يكن!.

واليوم، وبعد نجاح الجامعات السعودية بقيادة وزارة التعليم في التعليم الإلكتروني خلال الجائحة، نقرأ ونسمع هنا وهناك من المختصين بالتعليم آراءً تنقسم بين من يري التعليم الإلكتروني يبقى في حدود (الأزمات والطوارئ)، ومن يرى أنّ تبنّيه على نطاق أوسع ضرورة يفرضها عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية كونه تعليم المستقبل كما تشير العديد من الدراسات والتقارير العالمية.

خلال جائحة كورونا اتجهت الأنظار الفاحصة إلى الجامعات السعودية باختلاف أنماطها وبرامجها سواء التقليدي أو التي تتبع التعليم الإلكتروني كالجامعة السعودية الإلكترونية والتي تتبع التعلم المدمج الذي يدمج بين التعلم الصفي المباشر والتعلم الإلكتروني، واتضح للمشاهد كيف انتقلت الجامعات إلى التعليم الإلكتروني بشكل كامل بكل سلاسة ويسر سواءً لدى الطلاب والطالبات أو أعضاء هيئة التدريس، موضحة استعدادها منذ سنوات لهذا النوع من التعليم، حيث لم يكن لـكورونا أن يفاجئها في هذا الشأن (استعداداً للمستقبل وليس طارئا). وينسحب ذلك على الجهات الحكومية التي استطاعت أن تتكيف مع تعليق الحضور لمقرات العمل ومراعاة حالة التباعد؛ حيث رأينا كيف فتحت وزارة الصحة العيادات الافتراضية التي حققت أهدافها تماماً كالواقعية، وكذلك وزارة العدل حيث نقلت التقاضي وأغلب المعاملات العدلية إلى الفضاء الإلكتروني وحققت نجاحاً كبيراً، وأمثلة عديدة ليس هذا مجالاً لحصرها.

وبما أن ما قد كان مشكوكاً بفاعليته في الماضي استطاع أن يثبت جدواه خلال هذه الجائحة، وليس لأحد أن يقلّل من شأن المنجزات الكبيرة التي تحققت خلال الاستعانة بالفضاء الإلكتروني الافتراضي على كافة المستويات؛ فلماذا لا نزال نجد من ينظر إلى الشهادة الممنوحة لخريجي جامعات التعلم المدمج نظرةً يشوبها شيءٌ من الشك والانتقاص؟! ولماذا لا يزال البعض يرفض أن يعتبر الدراسة الجامعية (المدمجة) التي تجمع بين الحضور التقليدي والحضور من خلال منصات التعلم الإلكتروني (انتظاماً) وهي تعتمد التواصل المباشر بين الطالب والأستاذ بينما لا يتردد في أن يعتبر الدوائر التلفزيونية المغلقة انتظاماً وهو -بلاشك- يجد فارقاً مُعتبراً بين الاثنين؟!

إن التحوّل الكبير في نظريات التعلّم الحديثة من الاعتماد على المعلّم إلى التركيز على التعلّم الذاتي ودور المتعلّم الفاعل تاركاً للمعلّم مهمة التوجيه والتخطيط والمتابعة والإشراف، وكذلك تغيّر متطلبات سوق العمل التي تواكب مهارات القرن الحادي والعشرين التكنولوجية ومهارات التواصل الفعال التي يستهدفها التعلّم المدمج، والجودة الملموسة في مخرجاته، كل ذلك وأكثر يجدر به أن يغيّر النظرة تجاه التعلم المدمج وأن يعطيه حقّه من التشريعات التي تُعيد الاعتبار للشهادة التي يمنحها باعتبارها شهادةً جامعيةً انتظاميةً كما هو حال جميع خريجي الجامعات.

لديّ أمل كبير في أن ما أنجزه التعلم المدمج خلال السنوات السابقة بشكل عام وخلال جائحة كورونا بشكل خاص كافٍ ليتّضح في كافة الوزارات والجهات الحكومية والقطاع الخاص كفاءةَ التعلّم المدمج والقيمة الحقيقية التي تحملها شهادة خريجيه، فلا أعتقد أنه -بعد كل ما رأيناه- هل سيظلّ هنالك مجالٌ للتردد في اعتماد أسلوب المدمج «انتظاماً» ويمنحه التشريع المناسب !

وكيل الجامعة السعودية الإلكترونية

muaqel@
00:43 | 10-07-2020

الرأي.. بين الخوف والرجاء!

عندما قدم وفدٌ من الحجاز إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه تقدّمَهم فتى حديث السن ليتحدث، فامتعض الخليفة من ذلك قائلاً: ليتحدث من هو أسنّ منك. فقال الفتى: إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه!. كلنا قد سمع بهذه المقولة، وكلنا يعرف ما يمثله القلب واللسان من أهمية تجعل من باقي جسد الإنسان مجرد (لحم و دم) كما قال زهير بن أبي سُلمى:

لسانُ الفتى نصفٌ، ونصفٌ فؤادُهُ *** فلم يبقَ إلا صورةُ اللحم والدمِ!

إن العلاقة الفسيولوجية بين القلب واللسان هي نفس العلاقة الأدبية بينهما! فحينما تكون وظيفة القلب (فسيولوجياً) تتمثل في ضخ الدم إلى اللسان فإن القلب (أدبياً) يضخ معتقداته إلى اللسان أيضاً!. وفي المقابل.. حينما تعترض طريق القلب إلى اللسان عوالقٌ في الأوردة والشرايين فلن يؤدي اللسان وظيفتَه الفسيولوجية بشكل سليم، تماماً كما يحدث للّسان (أدبياً) إذا كانت بينه وبين القلب عوارضٌ من الخوف أو الرجاء!.

وإذا أردنا أن نحسم الأهمية الأكبر لصالح إحدى الوظيفتين: الفسيولوجية أو الأدبية؛ فإننا قد نجد عند (المتنبي) جواباً حين قال:

الرأيُ.. قبل شجاعة الشجعانِ *** هو أولٌ.. وهْي المحلُّ الثاني!

وهنا يُقدّم المتنبي أهمية الرأي الأدبية على القوة المادية!. وأنا هنا لست بصدد الجدال حول حسم الأهمية لصالح هذا أو ذاك بقدر ما يشغل بالي كثرة الناس التي تتمتع بالخبرة الحياتية والتعليم والثقافة والعقل الراجح ثم إنك تسمع من آرائهم ما يُلقي بك في دوامة من التساؤلات والحيرة نظراً لخلو آرائهم من الحكمة والسداد الذي تعزوه -بعد كثير من التأمل- إلى غرقهم في إحدى لُجّتين: الخوف أو الرجاء!

إنك لتندهش حقاً من حجم تأثير المصالح الشخصية على آراء الأشخاص وتقديمهم لمصالحهم على حساب الرأي السديد وهم موقنون بخطئهم مُقرّون به في قرارة أنفسهم ولكن -كما أسلفنا- يحول بين ألسنتهم وبين قلوبهم ما يعترض طريق الحق والصواب!

إن أمثال هؤلاء الذين يفضّلون أن يصدر منهم رأي مهزوز ومشوَّه -لكنه يحمي مصالحهم- على أن تتهدد تلك المصالح بآراء سديدة وصادقة؛ يضعونك في موقفٍ مُحيّرٍ بين النفور منهم أو الرأفة بهم! وذلك لأن عدم الصدق مع النفس يضرّ قلبَ صاحبه قبل أن يضر مصالحه والآخرين!

وعندما يستأنس الآخرون برأيك فإنما هم يضعون ثقتهم بك وبمشورتك، فعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «المستشار مؤتمن»، وليس عند أحد شك بأن أداء الأمانة من أعظم وصايا الدين ومن أساسيات المروءة ومبادئ الشيم والأخلاق.

فإذا صدقتَ في رأيك فكَلِّلْهُ بالسماحة واللّين، فقد نُقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قولُه: (اللَّجاجة تَسُلّ الرأي)؛ فكثرة الجدال والخصومة تُضعف الرأي ولو كان سديداً.

* كاتب سعودي

muaqel@
01:21 | 17-05-2020

كورونا.. وماذا بعد فقد الإحساس !

لماذا تغضب عندما يتجاوزك أحدهم وأنت تنتظر عند عيادة الطبيب أو في انتظار الدخول على موظف البنك أو غيرها من طوابير الخدمات أو الدوائر الحكومية...؟! حتى لو لم تكن مستعجلاً ولن تتأثر ظروفك بذلك التجاوز فمن الغالب أنك ستغضب أو تتضايق في أقل الأحوال. إن مصدر هذا الشعور السلبي الذي ينتابنا تجاه هذا الشخص المتجاوز هو شعورنا بعدم إحساسه بنا، بحقوقنا، بقيمتنا، بمشاعرنا! نعم.. إن النفس البشرية مجبولة على الحاجة إلى شعور الآخرين بها وتعاطفهم معها. فالرسول -عليه السلام- لم يكن الوحيد بين قومه الذي فقد أبناءه صغاراً، ولم يكن -عليه السلام- ليضيق صدره من قضاء الله؛ بل لقد آلمه أنْ يعيّره قومه بذلك وتُعدَم مشاعر التعاطف والإحساس بالآخر عندهم. فالله جل وعلا لم يعاتبه على ذلك لِـمَا يعلمه من تأثر النفس البشرية من انعدام التعاطف حولها، فأنزل تعالى سورة الكوثر تسليةً وعزاءً لقلب المصطفى -عليه الصلاة والسلام.

في رأيي أن الإحساس والتعاطف مع الآخرين –وإن كان غريزياً– فإنه لابد وأن يتم العمل على تعزيز هذا الشعور عند أولادنا وطلابنا، لأن الإحساس بالآخرين ليس موقفاً أو مواقف معدودة محدودة؛ بل هو حالة إنسانية يجب أن تتم حمايتها من التضاؤل والاندثار! وما أشد حاجتنا إليه في هذه الأيام ونحن نواجه جائحة فايروس كورونا المؤلمة!

ومما يُؤسَف له أن واقعنا اليوم يزخر بالآلام التي يعيشها الكثيرون بيننا ممن فقدوا إحساس الآخرين بهم وتعاطفهم معهم، ولا أُذيع سرّاً عندما أقول إن الحياة المدنية -بما تحمله من قفزات تكنولوجية هائلة- ساهمت بشكل أساسي في تراجع اهتمام الإنسان بمشاعر أخيه الإنسان!.. والاتهام لطبيعة حياة التمدن لا يعني أننا خارج قفص الاتهام، فنحن مَن سمحنا للتقنية بأن تغيّر كثيراً من مفاهيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وتربيتنا إلى واقعٍ يسير في خطّ تنازلي تشهد عليه منابر التنمر الإلكترونية بما تحمله من جرأة على تجريد الأشخاص من وطنيتهم أو دينهم أو انتماءاتهم للأسف الشديد!

وفي كلمة معالي وزير الصحة الأخيرة حول مآلات فايروس كورونا في وطننا الغالي، كان شعور الإحساس بالمسؤولية وقيمة الدور الذي يمثله كل مواطن ومقيم، كان هو الرسالة التي سعى معاليه إلى تأكيدها والحث عليها، وإنك لتلمس مقدار الألم الذي تنطوي عليه كلمات معاليه والذي انعكس على ملامح وجهه ونبرات صوته لما رآه -وهو المطّلع على تفاصيل الأمور- من ضعفٍ في الإحساس بصعوبة المرحلة وتداعياتها السلبية إن لم يلتزم أفراد المجتمع بالتباعد الاجتماعي وكل الإجراءات الوقائية للتغلب على هذه الجائحة.

لذلك يا قارئي العزيز.. قبل أن تقرر أن تستهتر بسلامتك وسلامة الآخرين، وقبل أن تشعل سيجارتك، أو تُطيل الضغط على منبه سيارتك، تذكّر أن هنالك من سيلحقهم الأذى منك!.. فافعل إن كنت تحتمل دعوات الآخرين عليك!

* كاتب سعودي

muaqel@
01:24 | 23-04-2020

السعودية باعت كل شيء من أجل شعبها

هنالك عبارة تتردد في ذهني منذ أن غزا فايروس كورونا العالم بأسره ووصل إلى وطننا الغالي، وبعد أن شاهدت كيف تصرفت حكومتنا الرشيدة بذلك الحجم من الوعي والحكمة والإدراك لعواقب الاستهانة بهذا الوباء، تلك العبارة كانت: «رغم التباعد الاجتماعي القسري فقد تعمّق لدينا التقارب الوطني». فعلاً.. لقد أيقن المواطنون بأنهم محظوظون بقيادةٍ وضعت نصب عينها مصلحة المواطن وإنسانيته واحترامه.

فرغم ما لهذا الوباء من حضور مرعب على مستوى العالم؛ إلا أن المواطن هنا يشعر بالأمان الحقيقي والاحترام العالي من قبل قيادته الحكيمة، فكلنا تابعنا ولا نزال نتابع القرارات الاحترازية التي بدأت منذ وقت مبكر للتعامل مع الخطر القادم، لم تنظر القيادة إلى حجم الخسائر الاقتصادية جراء خطواتها الاحترازية المبكرة بقدر ما تعاملت مع الأزمة بدافع أساسي واحد وهو (صحة ومصلحة واحترام المواطن والمقيم أولاً). ولو تابعنا ما فعلته الدول الأوروبية (المتقدمة) تجاه هذا الوباء لاتضح لكل ذي لب كم كانت الحسابات الاقتصادية تتصدر اهتمامات حكوماتهم هناك، مما جعل هذه الدول تزيح الصين لتصبح المصدر الأول للوباء!

عندما خرج رئيس وزراء بريطانيا (العظمى) ليقول لشعبه: «استعدوا لفقد أحبابكم»!، أطل علينا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- ليتحدث إلينا عن هذه الأزمة قائلاً: «شكراً لكم على تعاونكم»!. ولم يغفل -حفظه الله- أن يذكرنا بأهمية الاحتراز واتباع التعليمات والتنويه على أننا نمر مع هذه الأزمة بأوقات عصيبة ولكنها ستنجلي -بإذن الله- بتعاوننا معاً.

ولأن القيادة إلهام، فقد سطّرت القطاعات الحيوية في هذا الوطن ملاحم في كفاءة إدارة الأزمات، فسخرت وزارة الصحة كل إمكاناتها الإعلامية والتوعوية والبشرية بكفاءة عالية قلّ مثيلها في العالم لتتعامل مع هذه الأزمة القاسية بكل اقتدار يفخر فيه كل مواطن، وكذلك كان قطاع التعليم الذي استثمر كل منصاته التعليمية الإلكترونية بوقت قياسي ليستفيد منها ملايين الطلاب والطالبات في التعليم العام والجامعي بنجاح باهر مذهل، وكذلك كان العاملون في القطاع الأمني الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على الأمن ومكافحة الشائعات وتطبيق تعليمات القيادة بشكل يحافظ فيه على كرامة المواطن واحترامه، ولا يمكن نسيان الدور المحوري الذي تقوم به وزارة التجارة لتوفير الأمن الغذائي ومراقبة الأسعار إلى درجةٍ لا نكاد نشعر فيها بأننا نخوض في أزمة وباء عالمية!. أما واجهاتنا حول العالم (السفارات) فمن خلال ما قدمته من احتضان لمواطنيها العالقين خارج الوطن ودعوتهم للإقامة في الفنادق ذات النجوم الخمس وتأمين رحلات مدفوعة التكاليف للعودة إلى أرض الوطن؛ من خلال ذلك كله أرسلت رسالة للعالم أجمع مفادها أن الصدارة للجواز الأخضر ثم ضع خلفه أي لون شئت بلا حاجة إلى تدوين ذلك في ورقة الغلاف!.

وهكذا دواليك في كل القطاعات والوزارات والهيئات التي تبهرنا بإنجازات جبّارة يقف لها المواطن والمقيم احتراماً وإجلالاً.

وأخيراً.. فقد وقعتُ على عبارة مؤثرة أكاد أجزم بأنها تمثل هذه المرحلة التي نمر بها، عبارة تقول: «أزمة كورونا ستصبح جزءاً من التاريخ.. قصة يتداولها جيلٌ بعد جيل.. علموا أولادكم بأن السعودية باعت كل شيء واشترتنا».

* كاتب سعودي

muaqel@
01:07 | 29-03-2020

الطفولة المبكرة وخارطة الطريق !

لا يمكن أن نتصور نهضة تعليمية دون أن تكون هناك هيكلة حقيقية للتعليم تبدأ من الطفولة المبكرة، وإنني -كأب أولاً وكمتخصص ثانياً- ألمس حاجة التعليم الماسة لدينا إلى الاهتمام بتحسين المدخلات في مرحلتين محددتين. أولى المراحل ترتكز على أن تكون بداية التطوير تستهدف الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة بشكل نوعي وبشكل فعّال يجعل الطالب يهرع إلى المدرسة ولا يهرب منها! وينتقل التطوير مع الطفل عبر مراحله الدراسية المختلفة معتمدين في ذلك على منهج مرتبط بالواقع ومتطلع للمستقبل ويتم تقديمه للطالب من خلال معلمين ومعلمات أكفاء لديهم مهارات وقدرات معلم القرن الواحد والعشرين، التي يجب أن يتم استهدافه بها من خلال برامج إعداد خاصة به تُراعي أن يتوفر لديه -من وجهة نظري- ثلاثة جوانب رئيسية، وهي: الاستعداد المعرفي والشغف والمهارة. ويمكننا كشف هذه الجوانب الثلاثة من خلال تطوير مناهج التعليم بداية ببرامج الطفولة المبكرة والامتداد بباقي المراحل التعليمية حتى نصل للمرحلة الثانوية والتي تتطلب زيادة المسارات التي تتيح للطالب القدرة على اختيار المسار الملائم لقدراته بالاستفادة من مقاييس القدرات والتوجهات العالمية لاستقطاب مَن تُظهر المقاييس استعداده لممارسة التدريس من الطلاب وإلحاقه ببرامج إعداد المعلم. وهذه هي المرحلة الثانية من مراحل تحسين المدخلات، حيث تساهم هذه الخطوة في معالجة التكدس في الجامعات وتفتح للطالب آفاقاً متنوعة لا يجد نفسه معها مُجبراً على الذهاب للجامعة وانتظار وظيفة التدريس -كما هو حاصل الآن. وكما أشار معالي الوزير في عدة مواضع إلى أن 100% من طلاب الثانويات يُعدّون لدخول الجامعات، 80% منهم يدخلونها فعلاً ! بينما الناتج لا يعدو كونه تكدساً وهدراً للثروة البشرية والمادية وضعفاً خطيراً في جودة المخرجات. وهناك العديد من التجارب الدولية والتي استهدفت تطوير التعليم ونجحت في إحداث نقلة في نواتجه من الممكن استهدافها والاستفادة منها بحذر، فليس كل ما ينجح في دولة قد يلائم دولة أخرى. وعلى سبيل المثال هناك التجربة السنغافورية التي قدمت أنموذجاً فريداً من نوعه في تطوير التعليم يعتمد على عدد من العناصر، من أبرزها اختيار المتميزين للاتحاق ببرامج إعداد المعلم، وكذلك إقرار برامج تعليمية متميزة لإعداد المعلم في المرحلة الجامعية، مشتملة على برامج بكالوريوس ودبلوم، كما اهتمت أيضا ببرامج التدريب الإلزامي المستمر أثناء الخدمة للمعلمين.

ويحسُن بنا أيضاً الاستفادة من تجربة الكليات الطبية التي قصرت القبول فيها على المتميزين ووضعت معايير عالية لذلك، وهذا ما أنتج لنا عدداً لا بأس به من الأطباء الوطنيين المتميزين، ولا يمكن أن تكون مهنة التعليم أقل شأناً وأضعف عناية في اختيار المنتسبين لها من المهن الطبية، فالأجدر في هذه المرحلة هو تمهين التخصصات الإنسانية والنظر إليها نظرة جادة تعيد الهيبة للتعليم وتصنع أجيالا قوية وقادرة على مواجهة العمل بخطى ثابتة.
01:45 | 1-03-2020

تعليمنا ينهض.. لِـمَ لا؟

استبشر الوسط التعليمي والمهتمون بالتعليم خيراً بتصريح معالي وزير التعليم د. حمد آل الشيخ عبر قناة روتانا خليجية حول إعادة العمل ببرامج إعداد المعلم. ولا يخفى على ذي لُبّ الحاجة الماسة والضرورية لمثل هذه البرامج نحو مزيد من تجويد مخرجات المؤسسات التعليمية في بلادنا، وقد كنت -على الجانب الشخصي- لم أجد قرار إيقافها مقنعاً منذ البداية؛ فبالرغم من عدم كون تعليمنا يواكب الطموح ويزخر بجودة الناتج، إلا أنه لا يحق لنا أن نوقف إشارة المرور التي تنظم السير في حال وجد من يتجاوزها مخالفاً بل يجب أن نوجد النظام الذي يحمي وينظم حركة السير، وأن كافة المؤشرات التي عكستها نتائج الاختبارات الدولية لا تزال تؤكد على عمق أزمة التعليم والحاجة إلى نقلة نوعية لا يختلف المتخصصون على أن أساس هذه النقلة لا بد وأن ينطلق من المعلم.

فحينما يكون أكثر من 80% من معلمي المرحلة الثانوية بمؤهلات الحد الأدنى المطلوبة للتدريس في هذه المرحلة! كما ذكره تقرير البنك الدولي عن التعليم في منطقة الشرق الأوسط، إنه لرقم مخيف ولا بد وأن يقض مضاجع الغيورين على نهضة الوطن، وهذا ما حدث بعد أن أعلنت الوزارة عن حزمة إصلاحات تستهدف فيها جذر المشكلة؛ حيث تحدث معالي الوزير حول أن ما يجري الآن من عمل لإعداد قرارات ومشاريع تعليمية متنوعة ليس مقتصراً على التطوير فقط؛ بل صرّح بأنه «إصلاح»، والمهتم بالشأن التعليمي يستطيع أن يلمس بكل وضوح مدى الإصرار والطموح نحو إعادة ترتيب الأولويات والتي على رأسها إعادة النظر في معايير قبول المعلمين والمعلمات عبر إقرار برامج خاصة تعدهم ليتحملوا هذا الأمانة العظيمة بكل اقتدار. يدعم ذلك ما أشار إليه تقرير أساليب التدريس المبتكرة لتحويل التعليم 2019م من أن أحد عوامل أزمة التعليم العالمية هو أن العديد من الدول (لم تستثمر بشكل كافٍ في المعلمين) لتلقي التدريب المناسب.

وفي رأيي أنه -وإن كان واقع التعليم لدينا ليس مثالياً- فإن الميدان التعليمي لا يزال زاخراً بمن يملك الإخلاص والرغبة في صنع الفارق من معلمين ومعلمات وقادة وقائدات المدارس، لذلك لا بد من مواصلة استهداف هؤلاء بالبرامج التدريبية التي تصقل مواهبهم وتطور من قدراتهم حتى نتدارك مستقبل الأجيال الحالية ولا نبقى منتظرين لنتائج قد لا تظهر إلا بعد سنوات، وهنا أود أن أشير إلى ما أورده «إيريك جنسن» في كتابه الثمين «التدريس الفعال»، حيث نقل عبارة جميلة تقول: (البعض ينظر إلى الأشياء الكائنة بالفعل ويتساءل: لماذا؟، بينما يحلم البعض بأشياء يمكن أن تتحقق ويقول: لِـمَ لا؟). وأنا لا أحلم بأشياء يمكن أن تتحقق فقط؛ بل إنني واثق -بإذن الله- من تحققها بالنظر إلى الثروة البشرية التي نمتلكها والتي يراهن عليها دائماً مهندس رؤية 2030 ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان -حفظه الله-، وبالنظر أيضاً إلى ما نحظى به من وجود كوادر تعمل بإخلاص للوصول بتعليمنا إلى ما تصبو إليه القيادة الرشيدة بدعم سخي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.

* كاتب سعودي

muaqel@
00:56 | 17-02-2020

مهارات 2020 تحديات وحلول (2)

تحدثت في مقال سابق حول أبرز التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية، هنا سنقدم محاولة استشراف للحلول الملائمة لها على المستويين المحلي والعالمي؛ في ضوء موازنة موضوعية بين العائدات الطويلة الأجل من التعليم الأفضل وتكاليف الاستثمار المرتفعة والقصيرة الأجل فيه، مع تفهمنا والأخذ في الاعتبار صعوبة وجود مقاييس واضحة لقياس النجاح، ولذلك فإن واضعي السياسات التعليمية الذين يواجهون تحدي معالجة الفجوة بين التعليم والعمل يحتاجون إلى التمسك بتحديث الرؤية والمهارات اللازمة للعام الجديد ٢٠٢٠.

لا شك أن جهود الوزارة في إصلاح المناهج الدراسية أصبحت واضحة ومستمرة، فقد كان هناك تفاوت بين المهارات التي وضعتها معظم النظم التعليمية والمهارات المطلوبة بالفعل في سوق العمل. حيث يحتاج منهج القرن الحادي والعشرين إلى ثلاثة عناصر رئيسة وهي: المهارات الأساسية مثل الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب ومهارات STEM، والمهارات الناعمة والتي تشمل التواصل والتفكير الناقد وإدارة الأزمات والذكاء العاطفي مع الالتزام بمهارات التفكير العليا والمهارات الحياتية، القيم والكفاءات المدنية. وجميع ذلك يتطلب التخطيط المبكر بمناهج يبدأ تطبيقها في مراحل التعليم المبكر Early Education تراعي التأهيل والتدريب المستمر للوصول لسوق العمل المستقبلي.

وللحديث عن حلول لمواجهة الفجوة المهارية يمكن أن نستعرض تجربة إنشاء الجامعة السعودية الإلكترونية كمؤسسة تعليمية حكومية، تهتم في جوهرها بسد فجوة المهارات المستقبلية، وتقدم التعليم العالي والتعلم مدى الحياة، وتوفر بيئة قائمة على تقنيات المعلومات والاتصالات والتعلم الإلكتروني والتعليم المدمج، وتمنح درجات علمية في برامج وتخصصات متوائمة مع احتياجات سوق العمل وملبية لمتطلبات التنمية والتعلم مدى الحياة والإسهام في بناء اقتصاد ومجتمع المعرفة في المملكة وإيصال رسالتها الحضارية عالميا؛ كما أن تكنولوجيا التعلم الإلكتروني والتعليم المدمج «تدعم عمليات تطوير المهارات الفائقة»، وكذلك «تيسير الوصول إلى التعليم على نطاق أوسع». وتوفر تكنولوجيات التعلم الإلكتروني للطلاب إدارة أفضل للأعباء المالية المرتبطة بالتعليم، بما يعمل على إتاحة التعلم المستمر وتحقيق مبدأ التعلم مدى الحياة، كأحد أهم أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠، وهو سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل.

ومن خلال هذه التجربة نستطيع الخروج بتوصيات عامة تؤكد على أهمية تبني رؤى إستراتيجية للتعليم من أجل عالم جديد تكون مبنية على الاستخدام الفعال لبيانات ومعلومات سوق العمل. والأهم أن تستجيب هذه النظم التعليمية لاحتياجات القوى العاملة في القرن الحادي والعشرين وإطلاق العنان لإمكانات التقنية للمساعدة في سد الفجوة في المهارات، هكذا فإن التطوير للمهارات كمي ونوعي ويتطلب موازنة فاعلة بين مخرجات العملية التعليمية وبين الطلب عليها في سوق العمل ولمختلف الاختصاصات وفق مناهج مطورة ومحدثة باستمرار ومتلائمة مع التطورات المتسارعة في حقول العمل المختلفة معالجة فجوة الإعداد والتأهيل المهاري للخريج والارتقاء بنوعيته لمستقبل مشرق بأبنائه وبناته.
00:34 | 1-02-2020

الفجوة المهارية.. تحديات وحلول (١)

تتطور المجتمعات الإنسانية في الحقبة الحالية بتسارع شديد، وقد أحدثت تلك التطورات تغيرات جوهرية بالبيئات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا بالتأكيد يفرض على المؤسسات التعليمية تحديات يجب مواجهتها. تلك التغيرات السريعة طالت متطلبات سوق العمل وأحدثت فجوة بين القدرات الحالية للمؤسسات العامة والخاصة والمهارات المطلوبة لقوتها العاملة سميت بالفجوة المهارية، حيث التباين الكبير بين متطلبات سوق العمل من جهة والمؤهلات التعليمية للقوى العاملة والمهارات والخبرات لتلك القوى من جهة أخرى. وهذا يفرض على المؤسسات التعليمية أن تواكب هذا التسارع وتوائم بين مواصفات التشغيل لدى المشغل، ومخرجاتها التعليمية.

الفجوة المهارية التي تعاني منها معظم النظم التعليمية تؤدي إلى خفض الكفاءة الداخلية النوعية لمؤسسات التعليم الجامعي، ومؤشرها تدني التحصيل المعرفي والتأهيل التخصصي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية والتطبيقية، والقصور في تعزيز القيم والاتجاهات الإنتاجية والمهارات الناعمة (soft skills)، وبالتالي ذلك يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الخارجية، الكمية والنوعية، ويتمثل ذلك في زيادة عدد الخريجين من تخصصات لا يحتاجها سوق العمل، مع وجود عجز في تخصصات أخرى، أو تخصصات مطلوبة ولكن بطالب عمل يفتقر إلى المهارات الأساسية والناعمة التي تمكنه من المنافسة والبقاء في سوق العمل.

إن الفجوة المهارية مشكلة عالمية لا ترتبط بمجتمع دون آخر، لذلك فإن من أهم أهداف الاجتماع الخامس عشر لمجموعة العشرين G20 الذي سينعقد في الرياض في 21-22 نوفمبر 2020، هو «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع» وما يتفرع عن هذا الهدف من محاور متعددة بمجملها تهتم بـ «التأكيد على أهمية مستقبل العمل والقدرة العالمية على استيعاب التطورات التكنولوجية بأسواق العمل المختلفة، وما أوجدته من فجوات متسعة في المهارات التشغيلية على اختلافها بين الأفراد والدول».

هناك العديد من التحديات التي تواجه الأنظمة التعليمية في مواجهة الفجوة المهارية، منها التحدي الخاص بعدم التوافق بين منظومة التعليم من جهة وسوق العمل من جهة أخرى، ومنها تحدي التنبه إلى أن بعض الوظائف في سوق العمل تتطلب تأهيلا في أكثر من مجال، كذلك التحديات التي تتطلب توظيف التقنيات على أعلـى مستوى، من هنا فإن التحديات المهارية مهم أن تكون حاضرة في ذهن الميدان التربوي بشكل مستمر وغير منقطع، فلسفة التعلم مدى الحياة ليست مجرد أفكار إنما هي مهارات وخبرات وممارسات، الطالب السعودي لديه القدرات والقابلية العالية للتعلم، كل ما يحتاجه هو الدعم، فالتعليم هو المجال الأكثر أهمية لصقل المهارات وهو الذي يمكنه إعداد الأجيال المقبلة، فقد ثبت أن كل عام من التعليم يزيد من أرباح الفرد بنسبة تصل إلى 10%، ارتفاع دخل الفرد الناتج من التعليم بالتأكيد هو الانعكاس الحقيقي للقوة التربوية وهو الهدف الذي تسعى له الدول حول العالم.

* مدير الجامعة السعودية الإلكترونية المكلف
01:53 | 23-01-2020