وقف التاريخ يلملم أوراقه ويقلب الأيام وعاد للوراء في مشهد صنعه نخبة من شباب الوطن. بلغت تفاعلاتهم عنان السماء.. وحشدوا وسخروا التقنية الحديثة في استقراء للأيام المجيدة.. وبرز فيصل بن عبد العزيز أحد أبرز قادة التاريخ المعاصر.. الذي تلفح بعباءة الإسلام عقيدة ومنهاجا فكان أن استحوذ على الساحة في مواقفه البطولية.. وكرس دعوته للتضامن الإسلامي وتحرير القدس.. وهي قضيته المحورية عاش من أجلها ومات فداء للدين والوطن ولمبادئه السامية.
وما أشبه الليلة بالبارحة، واليوم ينهض في قوة وجدارة واقتدار سلمان بن عبدالعزيـز ليشعل التاريخ ويخط صفحات جديدة مليئة بالمجد والفخار.
لمحات من خطاب الفيصل ومنهاجه :
نحن أيها الإخوة لسنا ممن يديرون المعارك من وراء المكاتب وأجهزة التليفون.
فإذا حلت الساعة ودق جرس الحرب والنضال فستروني أنا بنفسي وإخواني وأبنائي أمامكم.. وإنني أيها الإخوة لا أقول هذا لا رياء ولا تزلفا ولكنني أقوله عن عقيدة ثابتة.. لأنه إذا لم ندافع بدمائنا وكياننا وكل ما نملك عن قضايانا فلن نكون أصحاب شأن.. ولن يكون لنا قائمة إذا اقتصرنا فقط على الخطب والتصريحات والوعود والوعيد فهذا ليس شأننا أيها الإخوان ولا شأنكم.. ونحن نصارح بسياستنا لا يهمنا أن يزعل الغرب أو أن يتكدر الشرق.. لأن الشرق والغرب اتفقوا على هضم حقوق العرب وسلبهم أراضيهم المقدسة.. نحن لسنا ممن يطلب الإعانات والقروض ولسنا ممن يستجدي في سبيل بعض المسائل المادية الزائفة ولكننا ندافع عن مبدأ ندين به بعد الله وبعد عقيدتنا الإسلامية بأن العرب يجب أن يدافعوا عن حقوقهم.
أيها الإخوة الكرام نحن كما قلت لا نريد من إخواننا العرب إلا أن نتعافى فيما بيننا بأخوة ونتعاون على إسعاد شعوبنا والنهوض بها.
الملك فيصل والقضية الفلسطينية :
ذكر معروف الدواليبي في (مذكراته) أن ديجول قال للملك فيصل: يتحدث الناس أنكم يا جلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل في البحر، وإسرائيل هذه أصبحت أمرا واقعا، ولا يقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع.
أجاب الملك فيصل: يا فخامة الرئيس أنا أستغرب كلامك هذا، إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمرا واقعا، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت، انسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه، فلا أنت رضخت للأمر الواقع، ولا شعبك رضخ، فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع، والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول: إن الاحتلال إذا أصبح واقعا فقد أصبح مشروعا..
يقول معروف: دهش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركزة بهذا الشكل، فغير ديجول لهجته وقال: يا جلالة الملك: يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك.
أجاب الملك فيصل: فخامة الرئيس أنا معجب بك لأنك متدين مؤمن بدينك وأنت بلاشك تقرأ الكتاب المقدس أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر ؟ غـزاة فاتحيـن حرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال فكيف تقول إن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة فلماذا لاتعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط ؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما؟ ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها..
قال ديجول : ولكنهم يقولون إن أباهم ولد فيها !
أجاب الفيصل : غريب! عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس وأكثر السفراء يلد لهم أطفال في باريس فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس ! فمسكينة باريس ! لا أدري لمن سـتكون ! سكت ديجول، وضرب الجرس مستدعيا (بومبيدو) وكان جالسا مع الأمير سلطان ورشاد فرعون في الخارج وقال ديجول : الآن فهمت القضية الفلسطينية أوقفوا السـلاح المصدر لإسرائيل... وكانت إسرائيل يومها تحارب بأسلحة فرنسية وليست أمريكية.
(انتهي الحديث).
هذه صفحات مضيئة ومشرقة خطها الفيصل ويعيد اليوم سلمان نفس الملحمة.. وفق الله كل مواطن مخلص وجمعنا على كلمة التوحيد وعلى حب الوطن والذود عن حياضه.