ذات يوم، وأنا في منزل الأستاذ عبدالعزيز التويجري -أطال الله في عمره- في المأدبة التي أقامها على شرف الوفود المشاركة في مهرجان الجنادرية. سألني هذا الرجل الرائع والإنسان الطيب والمثقف المتواضع –بعد أن أهديت إليه كتابي: «حكومة الحصان ووصايا الحمير»: لماذا أنتم اليمنيون تميلون كثيراً إلى السخرية؟
فكان أن رددت عليه قائلاً: إن السخرية عندنا مجرد قناع نخفي تحته آلاماً عميقة، وجراحاً كبيرة، وإننا نضحك لئلا ننفجر بالبكاء.ثم راح يحدثني عن صديقه الاستاذ احمد محمد نعمان (لم يكن حينها قد فارق عالمنا) وعن حسه الساخر الجميل.
وبالمناسبة الأستاذ النعمان والمشهوربــ«أبو أحرار اليمنيين» هو مؤسس «حزب الأحرار اليمنيين» الذي كان مناهضا لنظام الإمام يحيى حميدالدين. وكان خطيبا مفوها وساخرا عظيما بل أستاذاً في فن السخرية.
ومن المفارقات الغريبة أن الأستاذ النعمان الذي قارع نظام الإمامة وسجن لمدة سبع سنوات في سجون الامام المريعة دفاعا عن الحرية والعدالة. وجد نفسه بعد الثورة اليمنية – وهو المغضوب عليه من قاهرة ومخابرات عبدالناصر – مكبلاًً بالأغلال في سجون القاهرة مع اعضاء حكومته التي شكلها التي لم يكن عبدالناصر راضيا عنها حتى إنه بعد اعتقاله وسجنه لم يكن يسمح له – وهو رئيس وزراء حكومة اليمن الشرعية – بالذهاب إلى الحمام إلابصعوبة وبعد مناشدات. كان يظل لساعات يصرخ في زنزانته يخبط بيديه باب الزنزانة وينادي السجان ان يفتح الباب ويسمح له بالخروج الى الحمام للتبول. غير ان السجان كان يرفض طلب الاستاذ النعمان بحجة أن الخروج إلى الحمام يحتاج الى إذن من مدير السجن. ومدير السجن يحتاج الى اذن من رئيس جهاز المخابرات. ورئيس جهاز المخابرات إما يكون وقتها في الحمام أو في اجتماع هام.
في إحدى المرات وقد طفح الكيل وطفحت مثانة النعمان انفجر في وجه السجان وصرخ فيه قائلاً: «كنا في أيام الإمام نطالب بحرية القول أما اليوم وفي ظل حكم الثورة صرنا نطالب بحرية البول» بهذه العبارة الساخرة لخص أبو الاحرار اليمنيين مدى بشاعة الانظمة العربية الثورية ولخص معاناته في السجون المصرية وتطلعاته الى الحرية التي يريد.