-A +A
عائشة الفيفي (الرياض)
زوجة المدمن للمسكرات أو المخدرات.. كيف تتعايش مع هذا الوضع؟ هل تتقبل الواقع كما هو عليه وتقوم بدورها في مساعدة زوجها على الاقلاع أم تلجأ لأسلوب التهديد والوعيد وترك البيت وابلاغ الأهل و«الفضيحة».. وما هي انعكاسات الجو الموبوء الذي تعيش وسطه، هل تتماسك وتحافظ على بيتها وأطفالها أم تضعف فتنجرف وتتحول هي الأخرى الى مدمنة فمروجة فمتاجرة بالمخدرات؟ وما هو رأي المختصين في معالجة الادمان، ورأي الشرع في بقاء الزوجة في عصمة الزوج المدمن تارك الصلاة؟ قبل الخوض في تفاصيل أي من هذه الاشكاليات المتداخلة نستعرض نماذج لسيدات عايشن المشكلة في ظل أزواج مدمنين لنتعرف من خلالها على معاناتهن النفسية والاجتماعية والمادية مع هكذا زيجات.«أم فهد» متزوجة منذ 20 عاما تروي: منذ ان تزوجته اكتشفت انه يتعاطى الحشيش وما جعلني أصبر عليه في البداية انه موظف مرموق ومواظب في عمله وتعامله جيد الى ان أصبح يلتقي أصحابه يوميا في استراحته الخاصة وتبلد احساسه تجاه بيته وأولاده وأصبح يقتر علينا في مصاريف البيت وأصبح له علاقات مشبوهة بنساء أخريات.. أهله يرفضون التدخل وان شكوت قالوا اما ان تصبري واما ان تتركيه وتطور الأمر الى ان دخل السجن. وجدته في سجنه متأثرا وكم أوعدني بالاقلاع لكنني لا أصدقه فكم من مرة اقلع ثم عاد مرة أخرى.. الآن هو يخضع للعلاج في عيادة نفسية ولو عاد بي الزمان للوراء لتركته لحظة اكتشافي لادمانه.. اما الآن فأنا اتحسر على ما ضاع من زمن معه فمستقبلي معه لا يبشر بخير ولهذا اقولها بملء الفم: زوجة المدمن عليها ان تتركه لحظة اكتشافها لادمانه.. فالأمر خطير جدا وفيه ضياع للدين والدنيا وأطفال أبرياء لا ذنب لهم.
أمل المجنونة

وتروي أمل: تزوجته منذ 16 عاما ولي منه أربعة أبناء أكبرهم في الثاني متوسط، زواجي منه جعلني اتعاطى الحشيش لدرجة الادمان.. حاولت التوقف خوفا على أبنائي بينما هو يتمادى في تعاطيه لها وعندما علمت بعلاقاته المشبوهة مع نساء ورجال أيضا وعلم هو بتوقفي عن التعاطي أصبح يتفنن في تعذيبي ووصلت مشاكلنا اقسام الشرطة والمحاكم وطالبت بالطلاق. خمس سنوات ولم يحكم في القضية والسبب تغيب زوجي عن الجلسات.. اثناء ذلك ساعدتني احدى الجمعيات الخيرية بايجار منزل يؤويني وأطفالي وأنا الآن اتعالج من آثار الادمان في الصحة النفسية فأصبحوا ينادونني أحيانا بالمجنونة عندما علم البعض بأنني اتعالج لدى المصحات النفسية جراء ما مر بي من مشاكل لم يساعدني فيها أحد ولم ينصفني أحد.
الخوف من الفضيحة
وتروي نورة: مضى على زواجي منه 10 سنوات واكتشفت ادمانه من الشهر الثاني لزواجنا ذهبت الى اهلي الا انهم رفضوا ان اطلب الطلاق خوفا من الفضيحة وحتى لا يقال عني مطلقة حاولت أثناء ذلك مساعدته وانتشاله مما هو فيه كان يعدني دائما ولكن وعوده كانت كاذبة. وذات مرة دعا اصدقاءه للسهر في منزلنا وبعد ان ارغمني على التعاطي معهم قررت تركه والذهاب الى منزل اهلي وعندما شاهدوا اصراري قالوا: نستقبلك بدون ابنائك عندها شعرت بان الدنيا دارت بي فحاولت ان ابحث عن بيت يؤويني وابنائي حتى وجدت منزلا مهجورا فسكناه.. كنا نتسول بالنهار لنجد لقمة عيشنا ولم يساعدني أحد بالفكاك والطلاق منه رغم محاولاتي لاصلاحه دون جدوى!
يرفض تطليقي
وتروى أم محمد: تزوجته منذ 14 عاما واكتشفت انه مدمن قبل زواجي منه ولأنه كان قريبي لم يسأل أحد عنه بحجة انهم يعرفونه بانه على خلق! كان كثيرا مايهينني ويضربني ويشتمني امام الجيران خرجت من بيته واشتريت بيتا من ارث ابي وطلبت منه الطلاق ولكنه يرفض تطليقي بل رفع عليّ قضية بانني قمت ببلاغ كاذب ضده بانه مدمن ولانه لم تكن لدي أدلة لم يتنازل عن القضية حتى اتوقف عن مطالبته بالطلاق وأنا الآن اعيش أزمة نفسية ومادية صعبة!
بلاغ كاذب
مديرة القسم النسائي بادارة مكافحة المخدرات تؤكد وجود الظاهرة ومعاناة الكثير من السيدات من ازواجهن المدمنين بل تذهب الى أبعد من ذلك عندما تشير الى ان هناك من يقوم باستغلال زوجته ويجعلها مروجة مخدرات وهناك من يقوم باغتصاب بناته وحتى وان قمن بالابلاغ عن ازواجهن المدمنين فتبليغهن يسجل على انه بلاغ كاذب ولا يؤخذ به ان لم يكن لديها دليل للأسف الشديد!!
اعادة التأهيل
وعن علاج المدمن يرى يوسف العنزي الاخصائي النفسي بمستشفى الأمل والصحة النفسية ان العلاج يكمن في اعادة التأهيل والتكيف مع البيئة الخارجية وحصول المدمن على التوافق النفسي مع ذاته ومع من يحيطون به ويتوقف ذلك على تشخيص الزوج من قبل الفريق العلاجي (الطبيب والاخصائي النفسي والاجتماعي وانضمام الزوجة في العملية العلاجية).
الزوجة شاهدة
وللوصول الى علاج جذري لهذه المشكلة يعلن الدكتور وليد سرحان المتخصص في معالجة الادمان على هذه القضية مبينا ان كثيرا ما يبدأ الادمان ويتفاقم والزوجة لا تنتبه الى التغيرات التي تطرأ على زوجها من نحول وهزال واهمال للعمل والواجبات العائلية والاجتماعية وعدم الاكتراث بالأطفال وفي بعض أشكال الادمان قد تكون الزوجة شاهدة على تعاطي الزوج للمشروبات الكحولية والمهدئات وفي أحوال أخرى قد يخفي الزوج عن الزوجة تعاطيه للهيروين او الحشيش او المنشطات المختلفة واذا قدر للزوجة ان تعرف ان زوجها قد وقع في هذه «الورطة» فتقوم بدور رجل الأمن او الواعظ وهذا أسوأ ماقد تتصرف به في حين ان اظهار الاهتمام والاكتراث النابع من الحب والعلاقة الوطيدة بينهما يكون اكثر تأثيرا وبعد نجاح الزوجة في كشف الأدمان والمصارحة بينهما في هذا الِشأن لن يستطيع المدمن الخروج من هذا المأزق ويحتاج لمساعدة طبية ونفسية وهذه المساعدة تبدأ باتخاذ قرار التوقف عن الادمان وهنا يكون للزوجة الدور الهام لمساعدة زوجها في الوصول الى هذا القرار ومن ثم يبدأ البحث عن المكان والاسلوب المناسبين للعلاج او من الخطأ ان تستعمل الزوجة في هذه المرحلة اسلوب التهديد وترك البيت او اثارة الابناء على الأب فمثل هذه الاساليب من شأنها ان تجعل المدمن يائسا وبالتالي يعدل عن رأيه في الوصول الى العلاج. وفي المرحلة الاولى للعلاج التي تشمل تخليص الجسم من السموم ومعالجة ما تركته من آثار نفسية وعصبية وجسدية فان دور الزوجة هو دور الداعم لزوجها ضمن تعليمات الفريق الطبي المعالج حتى الانتهاء من هذه المرحلة «العظام» والتي تتراوح ما بين اسبوعين الى ستة اسابيع. وفي المرحلة الثانية فان الزوجة مطالبة بتفهم آثار الادمان واشتياق المدمن للمادة التي تركها وحالات الكآبة التي يمر بها، ويلاحظ من الخبرة العملية ان الزوجة الواعية المتفهمة والقادرة على استيعاب دورها ونصائح الطبيب النفسي تلعب دوراً كبيرا في نجاح العلاج، اما الزوجة المتمردة الغاضبة المهددة فان دورها سلبي ولن يساعد على نجاح العلاج، وبعد العلاج يحتاج المدمن في الاغلب لفترة تتراوح بين ستة اشهر وعدة اعوام حتى يعود بكامل لياقته النفسية الصحية وخلال هذه الفترة فان الحب والاهتمام الايجابي الذي تبديه الزوجة يعملان لمصلحة الطرفين ومن الملاحظ ان بعض الزوجات في هذه المرحلة يكن السبب في انتكاس الزوج اذا اتخذن موقفاً غير مناسب سوى التلويح للزوج بالفضيحة وابلاغ الاهل او التهديد بترك البيت او المراقبة المشددة على مدار الساعة والشك في كل تصرف للزوج في حين يجب ان تكون مراقبة الزوج بطريقة معقولة وبسيطة وان يكون هناك اتفاق بين الزوجين عند الشعور بالضعف وامكانية الانتكاس واللجوء اثناء ذلك الى امور مشتركة بين الزوجين كالحوار والرياضة والقراءة قد تأخذ تفكير المدمن وتصرفه عن المادة التي توقف عنها.
وينبه الدكتور وليد زوجة المدمن الى ان تدرك ان الجو الذي تعيشه وسط ادمان زوجها قد يجعلها تقع فريسة سهلة في حبائل الادمان خاصة اذا استمر الزوج في الادمان والتعاطي والامثلة على هذه الحالات كثيرة فمثلا اصرار الزوج على زوجته ان تشاركه كأسا فتبدأ بالكاس فالاثنين فالخامسة وقد تتجاوز في الشرب زوجها المدمن ومن الامثلة الاخرى المحزنة زوجة مدمن الهيروين التي تقبل مبدئيا بالخروج من البيت لشراء الهيروين لزوجها خوفاً من ان تأتي مواعيد الجرعات القادمة والبودرة القاتلة غير موجودة ويتطور الامر فكلما اشتكت الزوجة من صداع او تعب او اكتئاب نصحها الزوج بالشم فتوافق اخيراً فتنضم الى «قافلة الهلاك». ويحذر الدكتور وليد كل الحذر من ان تصبح زوجة المدمن مدمنة فمروّجة فمتاجرة بالمخدرات وهو ما سيوصلها لا محالة الى السجن المؤبد أو الاعدام ويدمر ما تبقى من اشلاء أسرتها ويخسر الاطفال الوالدين ويعانون بقية العمر، وهنا ينصح الدكتور وليد زوجة المدمن اذا شعرت انها غير قادرة على التعامل مع زوجها ان تستعين بالطبيب النفسي الخبير في هذا المجال لارشادها بالطريقة الصحيحة في التعامل مع هذا الموقف الصعب!
الاكتئاب النفسي
وعن الآثار السلبية للادمان على الزوجة يوضح الدكتور وليد أن الادمان وخصوصا اذا طالت سنواته فانه يؤدي الى تعثر الحياة الزوجية ومعاناة الزوجة من آثاره النفسية والاجتماعية والمادية والصحية وكثيرا ما يصل الأمر بالزوجة الى الاحباط والقلق والاكتئاب النفسي اذ سجلت الدراسات نسبا أعلى للاكتئاب النفسي بين زوجات المدمنين، وبالتالي فإن جزءا مهما من معالجة المشكلة يكون احيانا بمعالجة الآثار السلبية واكتتاب الزوجة.
الضعف الجنسي
وعن علاقة الادمان بالعلاقات الزوجية يصحح الدكتور مفهوما خاطئا لدى معظم المدمنين الذين يعتقدون ان تعاطيهم الكحول او الهيروين او الكوكايين سيعمل على تنشيط الوظائف الجنسية لديهم ويلبي رغباتهم ورغبات الزوجة ولكن الحقيقة ان الادمان بكافة اشكاله وانواعه يؤدي الى الضعف الجنسي وضعف الشهية وضعف الانتصاب وضعف الأداء بشكل عام ناهيك عن تبلد المشاعر والعواطف مما يضاعف من معاناة الزوجة في هذا الجانب.
مما تقدم يبدو واضحا أن زوجة المدمن تلعب دورا مهما في كل المراحل، ولابد لها ان تعي هذا الدور مستعينة بارشادات الطبيب المعالج ذلك ان وجود زوجة متفهمة تتعامل مع الأمر بعقلانية هو من أهم أسباب نجاح معالجة الزوج المدمن ووصوله الى بر الأمان.
عصمة تارك الصلاة لا تجوز
وللوقوف على الحكم الشرعي في مسألة بقاء الزوجة مع مدمن المخدرات الذي لا يصلي يبين فضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان انه لا يجوز للمسلمة ان تبقى في عصمة زوج تارك الصلاة لأن من ترك الصلاة متعمدا فهو كافر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» والمسلمة لا تبقى في عصمة كافر لقوله تعالى {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} «الممتحنة 10» واذا كان يتعاطى المخدرات فهذا عيب آخر يسوغ لها طلب الفراق. وعن حضانة الأبناء عند طلب الطلاق من الزوج المدمن يوضح فضيلته: ان كانت تخشى بعض زوجات المدمنين من طلب الطلاق في مثل هذه الحالات فحق الولاية والحضانة للأولاد عند افتراق الزوجين تكون على نظر القاضي: ينظر فيها ويقرر ما يكون من صالح الولد، فلا يقر الولد عند من لا يصونه ولا يصلحه واذا اكتشفت لاحقا انه مدمن فلها الخيار: إما بالطلاق أو العيش معه.
خيار فسخ النكاح
وحول ما تقوم به بعض الأسر من تزويج ابنها المدمن للمخدرات مع الحرص التام على اخفاء الخبر عن الفتاة وأهلها، يرى فضيلة الشيخ الفوزان أنه لا يجوز لأهل الزوج الذين يعلمون انه يتعاطى المخدرات ان يكتموا أمره عند الخطبة فلا يخبروا المرأة ووعيها بذلك لأن هذا عيب خطير واذا انكشف ذلك بعد العقد فللزوجة الخيار في فسخ النكاح عند القاضي.