-A +A
محمد أحمد الحساني
في أيام الاسطوانات وهي أقراص سوداء مدمجة تطبع عليها الأغاني وتباع الاسطوانة الواحدة منها قبل خمسين عاما بألف ريال وهو مبلغ كاف لشراء أرض سكنية في مكة المكرمة في تلك الأيام سمعت مطربا خليجيا يغني فيقول:
والله ما طلعت شمس ولا

غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم
إلا وكنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من ظمأ
إلا رأيت خيالا منك في الكاس
وكان المطرب يعني بأبياته معشوقا أو معشوقة له أو لغيره، وكانت تلك الأبيات محفوظة عند الناس عن ظهر قلب يرددونها كلما هاموا وعشقوا أو تظاهروا بذلك!
وبعد مرحلة الاسطوانات السوداء التي تشغل عن طريق «الشنطة» التي عليها صورة «كلب» وتشغل يدويا حيث تدور الاسطوانة وتوضع عليها الإبرة ويبدأ الغناء، جاءت مرحلة البيكاب وهو عبارة عن شنطة أصغر وأسطوانتها أصغر وأرخص ثمنا وتشغل بالبطارية الجافة
وقد تذكرت تلك الأبيات وطلبت من أحد الإخوة البحث عن قائلها في «جوجل» وكنت أظنه من شعراء التسيب والعشاق مثل عمر بن أبي ربيعة أو جميل العامري صاحب بثينة أو مجنون ليلى، ولكني فوجئت أن القصيدة كاملة منسوبة إلى أحد أئمة الصوفية وهو الحلاج الذي أعدم حرقا في العصر العباسي وأنه قال قصيدته وضمنها أبياتا فيها غلو شديد.
ومن الأبيات الجميلة البعيدة عن المخالفات قول الحلاج:
هجرت في حبكم يا سادتي ناسي
ولامني في هواكم كل جلاسي
كم حال دون مسيري نحوكم حجج
من الهوى وأكاذيب من الناس
ويعلم الله إن العذر منقطع
قد أخرسته الخطايا كل إخراس
وعجبت كيف أن الملحنين والمغرمين وأهل الهوى لووا أعناق هذه الأبيات إلى هيام فيمن عشقوا من الحسان ورأيت أن الشيطان سول لهم وأملى لهم!!