-A +A
عبدالعزيز بن عثمان بن صقر

1 ـ التقارب الأمريكي ــ الإيراني وأثره على الخليج.

ـــ أهم ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والستين هو ما يتعلق ببعض قضايا الشرق الأوسط خاصة تجاه ما يُعرف بنتائج ثورات الربيع العربي، فقد اعترف أوباما بالأمر الواقع واحترم رغبات وإرادة الشعوب ولا سيما تجاه ما يحدث في مصر فقد اعترف أوباما بفشل جماعة الإخوان المسلمين في الحكم وتراجع عن تأييد بلاده لهذه الجماعة التي وصلت إلى الحكم في مصر ولم تنجح في التعامل مع قضايا مصر واحتياجاتها وعجزت عن تحقيق طموحات شعبها وتعاملت مع منظومة الحكم بأسوأ مما توقع الجميع، وفيما يتعلق ببقية قضايا الشرق الأوسط الأخرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ما زال موقف أوباما مخيباً للآمال، أما فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية ــ الإيرانية فمن البديهي أن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع بقية دول العالم الأخرى تحكمها المصالح والحسابات وليس العواطف، كما أن هذه العلاقات تحكمها موازين القوى على الأرض، لذلك أعتقد ومنذ فترة طويلة أن ثمة مصالح مشتركة وتقاربا غير معلن بين أمريكا وإيران وبدأت هذه المصالح تظهر للعلن بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق إثر سقوط نظام صدام حسين في عام 2003م، حيث بدأت مفاوضات مباشرة بين الجانبين قبيل الانسحاب الأمريكي من العراق، وهذا ما حدث ويحدث بشأن أفغانستان، وأعتقد أن هذه التطورات ليست بعيدة عن تفكير دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك من جانبنا في مركز الخليج للأبحاث عقدنا العديد من المؤتمرات، والاجتماعات، وورش العمل لمناقشة مستقبل منطقة الخليج سواء بعد انكماش الدور الأمريكي في المنطقة، أو لتعامل دول الخليج مع كافة القوى والتكتلات في العالم سواء في الجانب الاقتصادي أو العسكري، أو الأمني خاصة مع بوادر تبدل موازين القوى العالمية واقتراب ظهور عالم متعدد القطبية إن لم يكن هذا النظام العالمي المتعدد قد ظهر فعلا ولعل تعثر القدرة الأمريكية على حل الأزمة السورية وتنامي الدور الروسي خير شاهد على ذلك، كما ظهور قوى ناشئة على الساحة الدولية يجعل دول الخليج تبحث عن تنويع علاقاتها الخارجية، حيث إن حجم تجارة دول مجلس التعاون مع القوى الناشئة ضخم جداً وسوف ينمو في المستقبل.

2 ــ ما هو سر هذه النعومة الإيرانية؟

ــ النعومة في الخطاب السياسي الإيراني جاءت بعد فشل الخطاب الثوري المتشدد والمتحدي الذي كان ينتهجه الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد ما أدى إلى عزلة إيران دولياً، وتعرضها لفرض عقوبات اقتصادية صعبة أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية الإيرانية وتضرر منها المواطن الإيراني؛ لذلك اختار الناخب الإيراني منهج الاعتدال، والرئيس الإيراني الجديد يفهم ذلك ويريد أن يقدم نفسه للرأي العام الإقليمي والدولي على أنه معتدل ويرغب في ترميم علاقة بلاده مع العالم الخارجي، لكن في حقيقة الحال لا يوجد تغيير في السياسة الإيرانية، فموقف الرئيس الإيراني الجديد لم يتغير من الأزمة في سوريا ودعم نظام بشار الأسد الذي يمعن في قتل شعبه وبالأسلحة المحرمة دولياً، كما أننا في دول الخليج لم نلمس أي تغيير جوهري في العلاقات الإيرانية ــ الخليجية، عموما نريد أفعالا وليست أقوالا من طهران إذا كانت تؤمن بحسن الجوار وتثبيت الأمن والاستقرار في دول الخليج.

3 ــ هل تسعى أمريكا لإعادة صياغة تحالفاتها في المنطقة؟

ــ أمريكا تمر بمرحلة تراجع في المنطقة وفي العالم وقد يقود ذلك إلى تراجع دورها في منطقة الخليج لصالح تقدم دور قوى أخرى، كما أن الولايات المتحدة لا تضع منطقة الشرق الأوسط في مقدمة اهتماماتها في الوقت الراهن فهي اتجهت إلى شرق آسيا وتركت وكلاء لها في المنطقة وفي مقدمتهم تركيا، وإسرائيل، وكانت تراهن على وصول تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم في بعض الدول الأخرى في المنطقة وفي مقدمتها وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم في مصر، إضافة إلى وصولهم إلى الحكم في تونس، وليبيا وغيرهما من دول الربيع العربي، لكن مع فشل هذا الرهان واعتراف أمريكا بهذا الفشل ــ وهذا ما يؤكده خطاب أوباما الأخير ــ سوف يؤدي إلى أن تعيد واشنطن النظر في قناعاتها التي تكونت أخيراً بالاعتماد على هذه الحركات وتعود للتعامل مع الدول المستقرة والأنظمة التي تستمد شرعيتها من شعبيتها والتفاف شعوبها حولها وأعتقد أن واشنطن سوف تتخلي عن فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي تتسيده إسرائيل وأنظمة هشة فشلت في حكم شعوبها كما كانت تخطط واشنطن أو هكذا كانت تعتقد وأكدت الأحداث ورغبات الشعوب فشل هذا التخطيط أو هذا التصور الأمريكي.  

* رئيس مركز الخليج للأبحاث