حالة الابتسام في الصورة لا تعني بالضرورة أن الواقف أمام الكاميرا متفائل أو سعيد، فشركة كوداك الامريكية على سبيل المثال صورت ضباطاَ وجنوداَ امريكيين من الجنسين في الحرب العالمية الثانية، تحديداَ عام 1944، وهم في وضعية ابتسام مفتعلة، لتـسويق ثقافة التصوير بين الناس والترويج للكاميرا التي انتجتها، وربطت التصوير بالمـناسبات السعيدة والتفاؤل في اعلاناتها، وابتكرت لأول مرة، التعبير الدولي الذي يستخدمه المصورون حول العالم (ساي تشيز) أو قل جبنة في حال ترجمتها الى العربية و الذي ربما اقتبس من تعبير شبيه بدأ في لندن عام 1841 وهو (ساي برون) أو قل خوخ.
يعتبر بوستمن وباغليا (1999) ان الاتصال البصري جاذب للعين ومعطل للعقل. فالصور تحتفظ بقدرة عالية على عكس الواقع اوتوماتيكياَ والقبول به كما يشاهد، وتعزل الوظيفة البنائية للعقل الموضوعي الذي يعمل عند قراءة النصوص المكتوبة، ويقارب بين البدايات والنهايات. ويقول ماكالن (1964/2001م) إن الوسيط الذي يحمل الرسالة المصورة يؤثر في جزء منها، و تتحكم فيه الخصائص المادية لوسيلة الاتصال، وحجم المتاح لها من خيارات- فالصورة التلفزيونية المتحركة الحية، أقوى مفعولاَ وقدرة على التعبير، من الصورة الفوتوغرافية الجامدة الميتة- أما يون (1989) فيعتقد بوجود فجوة بين الحالة المادية للوجود والاسلوب النفسي لفهم هذا الوجود كما يجسد. وترى مدرسة فرانكفورت ان تحـويل الفن- وأضيف السياسات- إلى ثقافة عامة يصحبه دائماَ عملية معايرة قوية ليتجانس مع الذوق العام.
الناس يميلون بطبيعتهم، إلى خطاب المتعة والإغراء واثارة قيم الجمال والعفوية والوداعة والبهجة. فلو لاحظنا الصور التي تؤخذ للسياسيين، حتى وهم في اقصى درجات الاحتقان، نجد ان الابتسامة، المصنوعة في بعض الاحيان، هي القيمة الأكثر وضوحاَ، والابقى في الذاكرة. الابتسامة تخلق نوعاَ من الثقة والتقارب والراحة بين الشخص موضوع الصورة والآخر المستقبل لها. ابتسامة الموناليزا الخفيفة والمائلة قليلاَ مثلاَ فيها كبرياء ورزانة وجمال عجيب.
كذلك قد يُلجأ للصورة إعلامياَ، من باب البوح بما يعجز القلم عن كتابته، إما لأسباب مصلحية أو رقابية. ويكون بتمرير صورة مصاحبة لخبر، يظهر فيها المسؤول متجهماً، أو محاطاً بالنساء، أو (عقاله يضحك) أو يقوم بتصرف شاذ، أو حركات انتهازية، لإرسال اشارات سلبية أو إيجابية عنه دون كتابة حرف واحد. والسياسيون العرب أصحاب خبرة وتجربة، في ميدان استخدام الصورة لاستمالة الرأي العام أو توجيهه. الصورة قد تكذب، تماماَ كناب الأسد في بيت الشعر العربي المعروف.
binsaudb@ yahoo.com