الفلذ : كبد البعير، والجمع أفلاذ، والفلذة القطعة من الكبد واللحم والمال والذهب والفضة. في الحديث في أشراط الساعة: وتقيء الأرض أفلاذ كبدها، وفي رواية بأفلاذها، أي بكنوزها وأموالها. وفي حديث بدر : هذه مكة قد رمتكم بأفلاذ كبدها، أراد صميم قريش ولبابها وأشرافها،لأن الكبد أشرف الأعضاء.
من هذه المعاني التي ساقتها معاجم العربية، نستشف قدر وصف الأبناء بفلذات الأكباد، وارتباط هذا الوصف بجسد الأب وطعامه، وثروته، فلنحمد الله تعالى أن وهبنا تلك الأفلاذ ونسأله ألا يحرم منها أحدا.
أتذكر هذه المعاني الجميلة اليوم، وأنا أنتهز مناسبة شخصية هذا اليوم تتمثل في زواج فلذة كبدي البكر، ولأهرب بالقارئ العزيز بمقالتي الأسبوعية، بعيدا عن هموم الداخل، ومشكلات الخارج، ولتقاسمني أيها العزيز الغالي، تلك المشاعر التي تغمرني، وتمسك بقلمي، وتوجه كلماتي، فلا أستطيع الفكاك منها.
أعود بذاكرتي نحو عقدين ونصف من الزمان، حينما استقبلت بين يدي هذا (الوليد) باكيا صارخا، مع أنه لم يواجه بعد مشكلات الحياة الطاحنة، ولم يعان ما نعانيه نحن الكبار، ولعلها رؤية اسشرافية لمستقبل البشرية الذي ربما لم يعد يبشر بما يحقق للانسان في هذا الكون ابتسامة على الشفاه، وسعادة في القلب.
ولما كان (الوليد ) نعمة من أنعم الله تعالى علي كإنسان، فقد سعيت منذ ولادته وبذلت جهدي من أجل تنشئته نشأة يرضى بها الله تعالى عني في حياتي وعند حسابي فكل منا مسؤول عن نفسه وأهله، فهو قائد له ولهم إلى النعيم أو إلى الجحيم. كبر (الوليد) وترعرع على طاعة الله ورسوله (ولا أزكيه على الله)، لم أتقاعس عن توجيهه، ولم أنشغل عنه بوظيفتي أو أعمالي أو أصدقائي، وكانت أمة ــ بارك الله فيها ــ عونا لي بعد المولى القدير، في أداء هذه المهمة، تكمل ما نقص منها نتيجة تقصير غير متعمد، وتقوم أي خلل نتيجة العجز البشري الذي هو سمة الانسان بوجه عام، وكنت أعلم جيدا ــ وهي معي ــ أن جوهر التنشئة الصالحة يعتمد على طاعة الله من جانب، والمطعم الحلال، فكلنا يعرف أن أي لحم نبت من سحت، فالنار أولى به.
تمر الأعوام ونراقب نمو هذه النبتة الطيبة نرويها سويا نتعهدها بكل ما من شأنه أن يصلحها، فالتربية مسؤولية مشتركة يتحملها الوالدان معا، ولايمكن لأحدهما القيام بها بمفردة، ولا يجوز أن يلقي أحدهما بها كاملة على الاخر كبر (الوليد) وأنهى دراساته الجامعية في بريطانيا، وحان وقت استقراره، وبداية مشواره في تكوين أسرة مسلمة صالحة، تكون أفضل مما وجده بين أبيه وأمه، وهذا ما أتمناه، فلا أظن إنسانا يتمنى لأحد أن يكون أفضل منه على وجه الأرض، سوى ابنه، فلذة كبده.
شعور غامر بالسعادة، إذا أشعر أنني بتوفيق من الله تعالى قد أديت مهمتي تجاه هذه (الفلذة) بقدر استطاعتي، على أفضل وجه، ولم أعد أملك إلا الدعاء له، ثم التوجيه (عن بعد) دون تدخل صريح في مجريات حياته وخصوصياته، فالأبوة عاطفة غريزية لا تنتهي بكبر (الوليد) أو زواجه، لاتنتهي إلا بنهاية الحياه ذاتها. وقد يغلف (القلق المشروع) هذه السعادة، القلق على أن يكون وليدي، وقد صار شابا يافعا، على هذا القدر من المسؤولية، تجاه زوجته وأسرته، ووطنه وأمته، فيعوض تقصيرنا، ويكمل المسيرة الحياتية والاجتماعية على نحو أفضل منا، ألم أقل أن
الابن، هو الوحيد الذي يتمنى المرء أن يكون أفضل منه؟.
اليوم أقول للوليد ولمن تزوج في نفس هذا اليوم ومن قبله ومن بعده، بارك الله فيك وزوجك وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير، وأوصيك خيرا بأسرتك وأهلك ووطنك وأمتك، وقبل ذلك كله أوصيك بتقوى الله تعالى، تسعد في دنياك، وتنعم في آخرتك، ولا تنسى بعد أن يسترد الله أمانته أن تقول: رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.
أخبار ذات صلة