«لكم اللحم ولنا العظم»، هكذا كان آباؤنا يخاطبون أساتذتنا في المدارس، بغية الحفاظ على مستوى الطلاب، وبعفوية يضعون هيبة للمعلم داخل الفصل وخارجه.
تجد هذه العبارة يرددها كل أب بدون استثناء وفي كل زيارة للمدرسة، وهي التي صنعت الأبناء، وأوجدت الدور الحقيقي للمدرسة والبيت في تكامل كبير لا يرتب له ولا يحدد له مجلسا للآباء أو الأمهات.
أتذكر أن أحد أساتذتي يرحمه الله، كان يرتقي سفح جبل مطل على النادي الذي نزاول فيه الرياضة اليومية «الملعب»، ليتابعنا خارج المدرسة، وفي اليوم التالي وبعد كتابة اليوم والتاريخ وعنوان الدرس، يخرج من جيبه ورقة صغيرة ويحضرنا بأرقام الفنانيلات التي كنا نرتديها.
قبل السؤال عن الواجبات، يحضر شماغ أحد الطلاب ويعلقنا واحدا تلو الآخر في «الفلكة»، وبعد العلقة الساخنة، يسأل عن الواجبات، ويضاعف العقوبة للمقصرين، لاسيما من الحاضرين في الملعب.
نعود للمنازل ونشكو المعلمين ونبكي أمام آبائنا وأمهاتنا، لكنهم لا يصغون لنا ويجد الواحد منا الرد الموحد: «تستاهل عشان تبطل لعب وتحط راسك في دروسك»، والبعض يوضح لابنه انزعاجه مما حدث ويرافقه في اليوم التالي إلى المدرسة، وتجد الطالب يشق صفوف الطلاب بكل تفاخر وتباهٍ ويوضح أن والده سيلقن المعلم درسا لن ينساه، لكن خيبة الأمل تصيبه عندما يستدعى لغرفة المعلمين وينصت لوالده الذي يردد على مسامعهم اجلدوه «لكم اللحم ولنا العظم».
يعود الطالب إلى فصله مكسور الخاطر ويقول في قرارة نفسه «ليته لم يحضر المدرسة»، ولم يضعني في موقف محرج أمام المعلمين وزملائي الطلاب.
في وقتنا الحاضر، باتت العلاقة بين المدرسة والبيت مرتبطة بدفتر واجبات ودعوات مكتوبة لحضور مجالس الآباء وأحيانا تصل لولي الأمر عبر رسالة جوال.
قبل أيام، حضرت اجتماعا في إحدى المدارس وكان عدد الآباء الحاضرين أقل بكثير من عدد المعلمين، غاب المدير وحضر الوكيل والمرشد والمعلمون وتناوبوا الحديث وسرد كلمات خطابية لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة التعليم، وذاك هو واقع اجتماعات مجالس الآباء لعرض منجزات المدرسة.
البعض غالبه النعاس وتمنى أن تتوقف هذه الخطب الجوفاء، ليكتب اسمه في سجل الحضور ويغادر قبل أن يسأل عن مستوى ابنه، والبعض الآخر حريص على السؤال والمتابعة.
تعجبت من ولي أمر طالب أمسك بالميكروفون وتوقعت أنه سيقدم مقترحات أو أفكارا تخدم مسيرة أبنائنا الطلاب، لكن مطالبته انحصرت في طلب استخدام الوسائل الحديثة وإرسال سجل ابنه عبر البريد الإلكتروني.
كلنا نعترف بالتقصير تجاه أبنائنا في متابعتهم في المدارس بحكم مشاغلنا المتعددة التي نعلق عليها قصورنا، ونلوم المدارس مع أنه قبلها يجب أن نلوم أنفسنا ونحاسبها؛ لأننا جزء أساسي من العملية التعليمية والتربوية.
صحيح أن بعضا من أولياء الأمور يحرمون أبناءهم من الخروج ولا يعرفون الشارع إلا في صباح اليوم التالي بهدف استثمار وقتهم في الدراسة، وتوفير البديل من وسائل ترفيه متعددة وأجهزة حديثة، وتلك هي التي تقودهم إلى المخاطر والدمار لدرجة ضعف العيون وقصور العضلات وباتت حياتهم تسير عبر النظارات وتصحيح النظر وأحيانا المسار.
لو حدث أن معلما نهر طالبا، لوجدت والده منذ الصباح الباكر يقف على أعتاب المدرسة في انتظار المعلم والمدير، وقد يصل به إلى التهجم اللفظي أو الجسدي والحوادث كثر في هذا الميدان ووصلت حد القتل والسبب هو سلب حقوق ذلك المعلم دون وجود ضوابط.
هل الوقت تغير؟ أم تغير الآباء؟ أم أن الإدارة الحديثة أفسدت دور المعلم وولي الأمر واقتصر ذلك في فعاليات «يوم المعلم» الذي يكرم فيه حبرا على ورق؟ وهل أغفل حق المعلم: قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا.. كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولا..؟!!
أنا هنا لا أطالب بضرب الطلاب وسلخ لحومهم عن عظامهم، ولكن هيبة المعلم لابد لها أن تحضر كما كانت في السابق وهذه مسؤولية الوزارة بأن تفرض هيبة المعلم، وليس بالضرورة أن العنف الجسدي أو اللفظي هو ما يفرض هذه الهيبة.
لكم اللحم ولنا العظم
28 نوفمبر 2013 - 19:40
|
آخر تحديث 28 نوفمبر 2013 - 19:40
تابع قناة عكاظ على الواتساب