مسؤولية كبرى أن يقف الانسان مع التاريخ.. في هذا البلد التاريخي واعني به «الدرعية»، اذ يعود بي الزمن الى عام 850هـ عندما رحل «مانع المريدي» من بلدته «الدرعية» بالمنطقة الشرقية تلبية لدعوة عمه (ابن درع) في الرياض الذي أقطعه «غصيبة» و«المليبيد» في هذا المكان من وادي حنيفة فسميت الدرعية على مانع المريدي علما بأن البلدة التي هي بالقرب من القطيف قد سميت الدرعية باسم هذه القبيلة: قبيلة الدروع.
الشرف الاكبر عندما التقى الامامان: الامير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، في الدرعية.. لقاء الخير والبركة.. لقاء لا اله الا الله محمد رسول الله، وهكذا كانت سنة 1197هـ سنة تاريخية بلقاء الامامين وتعاهدهما على ان الدم بالدم والحد بالحد، هنا بدأ التاريخ.. التاريخ الحقيقي لهذه البلدة بل التاريخ الحقيقي بعد العصر الاسلامي الأول في الجزيرة العربية.
الدرعية الأثرية
الكلمات للامير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض وهو يصف الدرعية الاثرية، التي كانت عاصمة حتى عام 1842م وتتكون من عدة احياء تاريخية مثل حي الطريف، وحي البجيري، واحياء قديمة مثل حي المريح وحي الظويهرة، وحي سمحان والسريحة، واحياء الظهرة والروقية وغصيبة، ويعتبر حي الطريف الواقع فوق الجبل الجنوبي الغربي من منطقة الدرعية، من أهم احياء الدرعية الاثرية، لاحتضانة اهم المباني الاثرية والقصور والمعالم التاريخية، كقصر سلوى الذي شيّده الامام محمد بن سعود في القرن الهجري الثاني عشر، وكانت تدار منه شؤون الدولة السعودية الاولى، واصبح بذلك مقرا دائما لامراء وأئمة آل سعود طوال حكم الدولة السعودية الاولى، ويعتبر اكبر قصور الدرعية، ويقع في الجهة الشمالية من حي الطريف، وقصر سعد بن سعود المكون من طابقين، ويحتوي على فناء خارجي استعمل كمربط للخيل، وقصر ناصر بن سعود بشكله المربع وتخطيطه البسيط ومساحته الواسعة، وقصر الضيافة التقليدي الذي يحتوي على حمام الطريف ذي المصاطب الجصية المانعة لتسرب المياه التي تأتي من بئر في اسفل الشعب المطلة عليها، ومسجد الامام محمد بن سعود الذي كان يدرس فيه الشيخ محمد بن عبدالوهاب. ويحيط بحي الطريف سور كبير وابراج كانت تستخدم لاغراض المراقبة والدفاع عن المدينة، كبرج سمحة وابراج المغيصيبي وبرج شديد اللوح وسور قليقل وحصن الرفيعة وابراج القميرية وبرج الحسانية وبرج الفتيقة وبرج فيصل. وبني حي الطريف من اللبن والاساسات الحجرية وشجر الأثل وسعف وجريد النخيل.
جامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب
ويأتي بعد حي الطريف حي غصيبة، الذي يعد الحي الرئيسي للدرعية الاثرية وقاعدة الدرعية حتى عام 1100هـ، فحي البجيري الذي يقع على الضفة الشرقية من وادي حنيفة، وبه مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، ومدرسته وبيته، اضافة الى حي السريحة، الكائن شمال حي البجيري، وكان يضم بيوت الاعيان والوجهاء بالمدينة، وهناك احياء تاريخية اخرى مثل الظهيرة والطرفية والعودة والبليدة.
ومن ابرز معالم الدرعية الاثرية الحالية، جامع الامام محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله، الذي بني على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -يرحمه الله- بمحافظة الدرعية، ويعد الجامع معلما تاريخيا ولوحة تراثية متكاملة مع حي البجيري وحي الطريف الاثريين، حيث بلغت ميزانية المشروع اكثر من 14 مليون ريال، اقيم على مساحة بلغت 12.6 كيلومتر مربع، بينما تقدر مساحة المصلى الرئيس بـ1.5 كيلومتر مربع، اضافة الى مصلى النساء حيث يحتوي المصلى الرئيسي على 16 بابا لتسهيل عملية دخول وخروج المصلين ويشتمل الجامع على مدرسة لعلوم القرآن، وسكن للامام، وآخر للمؤذن، وثلاث حدائق مجاورة للجامع، وروعيت في تصميمه الجوانب المعمارية التراثية التي تزخر بها المواقع المحيطة بالمشروع، مجسدة في الاحياء الاثرية والاسوار والابراج.
* وعن مشروع جامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب قال سمو الامير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض:
«حقيقة فيما اعتقد سنة 1418هـ عندما كان المهندس حسن بن عبدالرحمن آل الشيخ رئيس بلدية الدرعية كتب لي كتابا شخصيا قال فيه: ان جامع الامام محمد بن عبدالوهاب الذي كان يصلي فيه في هذه المدينة الدرعية.. خرب.. ويحتاج الى تعمير وقال لي في كتابه الموجود معي بالنص اقترح ان ابناء الاسرتين آل سعود وآل الشيخ يجمعون تبرعات لبناء هذا الجامع وقد رحبت بهذه الفكرة وعرضتها على رجل الخير الملك فهد -رحمه الله- فقال لي بل سأقوم بكل ما يلزم لهذا الجامع.. وقد قال لي -رحمه الله- سندفع كل تكاليفه.. وفعلا بلغت اكثر من اربعة عشر مليون ريال وهذا والحمد لله عمل خير وبركة يجب ان اذكره واشكره واشكر الله عز وجل قبل كل شيء».
سكان الدرعية
تاريخيا شهدت الدرعية نوعين من الهجرة تختلفان باختلاف دوافعهما، فالاولى الهجرة لاسباب دينية او سياسية متمثلة في هجرة عدد من مؤيدي الشيخ محمد بن عبدالوهاب الى الدرعية لاسباب علمية، وهجرة بعض الاشخاص من بلدان سدير والحوطة وغيرها لاسباب سياسية، بالاضافة الى انتقال عدد من اهالي البلاد التي يغزوها حكام الدرعية اليها كما حدث عند غزو الاحساء عام 1209هـ والنوع الثاني الهجرة المعتادة من المناطق الريفية والقرى والهجر النائية الى المدن والحواضر.
وتتحدث وثيقة اوردها الشيخ عبدالرحمن بن حسن عن ارتفاع اسعار المنازل والنخيل والبناء في الدرعية مقارنة ببقية البلدان النجدية آنذاك مما يدل على ان الدرعية عاشت نهضة مكتملة الاطراف.
المنشآت الحضارية
بلغت الدرعية في عهد الامام سعود الكبير اوج مجدها وعظمتها رافق ذلك رخاء مادي وتقدم حضاري فأقيمت منشآت معمارية حضارية لا تقوى على انشائها الا دول مستقرة سياسيا، وتتمتع برخاء اقتصادي وارتفاع في المستوى الثقافي. من ذلك المسجد الجامع بحي الطريف، ومسجد البجيري، قصر الضيافة، وحمام الطريف، والسوق، والمدرجات التعليمية. ورغم ان عهد الامام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي استمر قرابة اربعين عاما تميز بالامن والرخاء الا ان ميله للزهد يجعل كثيرا من المؤرخين يرجحون ان كثيرا من هذه المنشآت اقيمت في الدرعية في عهد ابنه الامام سعود الكبير.
أرض الدعوة الاصلاحية (الحلقة الاخيرة)
الدرعية.. هنا بدأ التاريخ الحقيقي بعد العصر الإسلامي الأول
21 مارس 2006 - 19:15
|
آخر تحديث 21 مارس 2006 - 19:15
الدرعية.. هنا بدأ التاريخ الحقيقي بعد العصر الإسلامي الأول
تابع قناة عكاظ على الواتساب
صالح الفهيد