• الأخ الكريم الدكتور عبدالعزيز بن الشيخ محمد السبيل، كان بدء المعرفة العابر في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض بمناسبة انعقاد ملتقى قبل نحو عشرين سنة عن ضعف الطلاب في اللغة العربية، وفي الاستراحات بين حلقات قراءة ملخصات البحوث يتوجه المشاركون إلى تناول ما أعد إليهم من شاي وقهوة ومياه وبعض الأكولات الخفيفة، هناك كنت مقبلا إلى تناول كوب من الشاي، وكان الأخ عبدالعزيز غير بعيد من ذلك الموقع، فقرب مني بأدبه وسماحة نفسه ليسألني ماذا أريد؟ فقلت شاكراً شاهياً فقدم إلي ذلك، ومرت الأيام غير بعيدة.. هكذا أحسست بها فإذا بصاحبي يصبح في جدة أستاذاً في جامعة الملك عبدالعزيز، وإذا به يأتي إلى النادي الأدبي الثقافي، فأراه مرحباً به حين أقبل مسلماً، وصورته التي انحفرت في نفسي يوم تلاقينا في جامعة الإمام عبر مبادرة كريمة ليقدم إلي ما أردت تناوله.
• وفي النادي شرع صاحبي يشارك في التحاور عبر ما يلقى في منبره، وسرعان ما كان الإيلاف بحميمية وود.. ثم أخذ يدير ملتقى غير منبري بعد أن كان يمارس تقديم هذا النشاط المساند أخي الدكتور عبدالله المعطاني.. كان هذا النشاط المساند داعماً لما يقدم عبر منبر النادي، وذلك في الأوقات التي لا يقدم النادي نشاطا منبريا، حيث أصبح هذا غير فاعل بغياب الرموز الكبيرة التي تحفل بها الساحة!
• وكان النادي قد شرع في إصدار دورياته ــ علامات ــ في النقد التي لقيت رواجاً وحفاوة في الوطن العربي حين بدأنا نطبع في «بيروت» فكانت مشاركة الدكتور السبيل الفاعلة والجادة والداعمة.. حين اقترح إصدار مطبوعتين هما: «نوافذ» لترجمة الأدب العالمي و«الراوي» للقصة القصيرة، وسرعان ما انداحت حماسة الأخ السبيل في تواصل قوي جاد مع المشاركين بمواد للمطبوعتين، ليصبح في النادي وله ثلاث مطبوعات دورية، شقت طريقها إلى عالمنا العربي، بل إن ــ نوافذ ــ تجاوزت الوطن العربي حيث عنت بآدب غير آداب اللغات الإنجليزية والفرنسية إلى لغات أخرى ذات حيوية، وإلى عوالم أخر تتحدث بلغات أخرى.. ويبدو أن المبادرة والانفتاح يشجع ويدفع إلى المزيد من الحماسة والعمل المتواصل، وأقول إن قلقي في العمل يجعل المشارك بحماسته يزيد تجاوباً وجودة أداء وتواصل مع المتجاوبين، وأشهد أن أخي عبدالعزيز كان ينفق من جيبه الخاص في الاتصالات الهاتفية والبريد «السريع» ثم يمارس ذلك من تلقائية؛ لأنه يعشق عمله وإنجازه والمتابعة ليل نهار، فكان بتوفيق الله النجح، حتى إن علامات حفل بها أناس لا نعرفهم كانوا يواصلوننا.. وأقام المغرب لقاء عن الترجمة، ودعا النادي للمشاركة فاختار رفيقنا الدكتور محمد الشوكاني عضو هيئة التدريس في قسم اللغات بجامعة الملك عبدالعزيز، ومرد هذه الدعوة إصدار النادي الدوري «نوافذ» لترجمة الأدب العالمي!
• ولما آذنني أخي السبيل بالانتقال إلى الرياض قلت له: إذا تريد الانشغال عن نوافذ والراوي فإني مضطر إلى إيقافهما! قال إنه: سينهض بهما على الحال التي في جدة، وقد وفى بالتزامه الأخلاقي ومنجزه رغم شواغله لاسيما بعد أن أصبح وكيلا لوزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية.
• ومن الثقافة إلى الثقافة بكل مسؤولياتها، فكان معرض الكتاب في الرياض الذي تتحمل مسؤولياته وزارة الثقافة وما يصاحب ذلك من نشاط ثقافي، وكان الدكتور السبيل كل شيء في الشؤون والشجون التي تصاحب المعرض وما أكثرها عبر عشرة أيام الحراك فيها ليل نهار في المعرض وملتقياته الثقافية وهمومها التي لا تكاد يقف فيها جانب حتى تجد جوانب.
• والأندية الأدبية لاسيما بعد تغيير مجالس إداراتها قبل أربع سنين، كانت المشكلات والخصام والخلافات المتلاحقة في المناطق المتباعدة والقريبة لأنا في قارة هي المملكة العربية السعودية، إنها حال متواصلة من السعي والعمل، وكل ذلك يواجه رجلا ذا خلق وتسامح وملاطفة وسعة صدرك لتلك الهموم المتجددة والمتواصلة، والرحالة وكيل الوزارة للثقافة: ما آب من سفر إلا ويتبعه ترحال ذو وصب.. أقول هذا حين عرفت أن في بلادنا (81) إحدى وثمانين مكتبة حكومية -خرابة-، وجاب أبو حسان هذه القارة، يتابع ويقف على بقايا ركام لا يلقى شيئا من عناية ولا من رعاية واهتمام، لاسيما أن أمة «اقرأ» لا تقرأ، وحتى لو قرأت لا يستطيع أحد أن يصل إلى ذلك المغلق عليه أبواب مهترئة، أماكن مجهولة ومهجورة وأكثرها بلا محتوى وعليها خيوط بيوت العنكبوت!
• تلك خطرات ذات شجون على أبواب الثقافة ومساربها ودهاليزها.. إنه حصاد الثقافة الذي يشبه حصار الهشيم أحد عنوانات كتب الأديب عبدالقادر المازني.. وإني أعتذر لأخي الكريم حين أعلن أنني لم أقل بعد شيئا مما يجب أن يقال في علاقة سعدت بها إلى جانب علاقات عزيزة وغالية عبر رحلة الثقافة ومغارمها، غير أن صحبة الرجال الأخيار تخفف كثيرا من هموم الحياة وعقابيلها، وحين أتذكر قول شيخ المعرة: «تعب كلها الحياة»، وأجد عوض عنائها، ويكفيني مكاسب لا يقاس عليها صحبة أخوة أعزة في دروب لا تحفها الورود والرياحين، ولكنها مسارات تحوطها الأشواك والعناء، ومع ذلك فهي ممتعة إذا أنجز الإنسان شيئا من طموحاته وأحلامه، وقد كان بفضل الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، فله الحمد.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 264 مسافة ثم الرسالة
أخبار ذات صلة