في الوقت الذي أفتى فيه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي بجواز مصافحة الرجل للمرأة، فإن عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة الدكتور عبد الله بن محمد الأمين الشنقيطي يرى حرمة ذلك، مستشهدا بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يصافح امرأة حتى عندما بايعنه.
وأوضح الشيخ القرضاوي أنه أخفى فتواه بجواز مصافحة الرجال للنساء الأجانب عند الضرورة لعدة سنوات، تجنبا للتشويش على المجتمع.
واعتبر أن دخول العلماء سوق المزايدة في الدين لاكتساب رضا المتزمتين وإعجابهم ينافي التجرد للحق والإخلاص لله، بل هو رياء المهلك.
علق الشيخ القرضاوي على قول البعض إن العالم المعسر المشدد أكثر ورعا، وأعظم تقوى لله من الميسر قائلا: هذا خطأ كبير لأن العالم الذي يفتي بالتيسير يتبع المنهج القرآني والهدي النبوي، ويتبع منهج الخلفاء الراشدين خاصة، والصحابة عامة، مثل حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس الذي اشتهر برخصه.
لكن الشيخ الشنقيطي يوضح أن الإسلام منع النظر، فمن باب أولى منعه من ملامسة المرأة للرجل، مشيرا إلى الأثر من أن من وضع يده في يد امرأة فكأنما وضعها في لحم خنزير، مؤكدا أن هناك كثيرا من الآيات والأحاديث التي تحرم خلوة الرجل بالمرأة والنظر لها، والدخول على النساء، وكلها تدل على عدم جواز مصافحة المرأة للرجل، وأنه لا فرق بين صغير وكبير في هذه الفتوى، لأن احترام تعاليم الدين فوق المجاملات والمصالح الضيقة.
وعند العودة للشيخ القرضاوي، فإنه يرى جواز مصافحة الرجل للمرأة بشرطين، هما: أن تكون هناك ضرورة وحال أمنت الفتنة، ضاربا مثلا عمليا لفتواه بما يحدث له عند زيارة قريته، حيث تستقبله قريباته وبنات عمه وخاله والجارات، ويمددن أيديهن فيضطر لمصافحتهن، معتبرا أن الفتنة مأمونة في تلك المصافحة بحكم القرابة وكبر السن، وليس من اللائق رد يد القريبة أو الجارة الممدودة للسلام.
وشدد القرضاوي على ضرورة تحلي العلماء بالشجاعة العلمية في اختيار الرأي الذي يقتنعون بصحته والشجاعة الأدبية في إعلان الرأي للناس، مضيفا بقوله: هناك علماء متحررون يسيرون وراء الدليل، وليس وراء فلان أو علان، ينظرون إلى ما قيل، لا من قال، وقد يصلون باجتهادهم إلى آراء لها قيمتها في ميزان العلم، ولكنهم يحتفظون بها في صدورهم، أو يفتون بها لخاصة خاصتهم ولا يجرؤون أن يعلنوها للناس، خشية من هياج العامة أو سخط الخاصة، وخوفا من أن تتعرض سمعتهم للتشويش من الحرفيين والجامدين.
فتنة الشهوة
وأوضح الشيخ محمد صالح المنجد أن مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية حرام لا يجوز وقال: إن من أدلة ذلك ما جاء في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.
وأضاف لا شك أن مس الرجل للمرأة الأجنبية من أسباب الفتنة وثوران الشهوات والوقوع في الحرام، فلا يقولن قائل: النية سليمة والقلب نظيف فإن صاحب أطهر قلب وأعف نفس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمس امرأة أجنبية قط حتى في بيعة النساء لم يبايعهن كفا بكف كالرجال وإنما بايعهن كلاما كما روت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) إلى قوله تعالى (غفور رحيم) واستدرك المنجد قائلا: إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذكرت أن من أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاما ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك، وفي رواية: أنه يبايعهن بالكلام، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط.
وفي رواية عنها رضي الله عنها قالت: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها.
وأشار المنجد إلى أن بعض المسلمين يشعر بالحرج الشديد إذا مدت إليه امرأة أجنبية يدها لمصافحته ويدعي بعضهم بالإضافة إلى اختلاطه بالنساء الاضطرار إلى مصافحة المدرسة أو الطالبة التي معه في المدرسة أو الجامعة أو الموظفة معه في العمل أو في الاجتماعات واللقاءات التجارية وغيرها وقال هذا عذر غير مقبول، مبينا أن الواجب على المسلم أن يتغلب على نفسه وشيطانه ويكون قويا في دينه والله لا يستحيي من الحق، ويمكن للمسلم أن يعتذر بلباقة وأن يبين السبب في عدم المصافحة وأنه لا يقصد الإهانة وإنما تنفيذا لأحكام دينه وهذا سيكسبه ـ في الغالب ـ احترام الآخرين ولا بأس من استغرابهم في البداية وربما كانت فرصة للدعوة إلى الدين عمليا.
ويشير الباحث الشرعي والأكاديمي في جامعة القصيم الدكتور عبد الله بن عمر السحيباني أن هناك جماعة من الفقهاء فرقوا بين مصافحة العجائز ومصافحة غيرهم، فمصافحة الرجل للمرأة العجوز التي لا تشتهي ولا تشتهى، وكذلك مصافحة المرأة للرجل العجوز الذي لا يشتهي ولا يشتهى، وقال: إن مصافحة الرجل العجوز للمرأة العجوز، جائز عند الحنفية والحنابلة ما دامت الشهوة مأمونة من كلا الطرفين، لأن الحرمة لخوف الفتنة، فإذا كان أحد المتصافحين ممن لا يشتهي ولا يشتهى فخوف الفتنة معدوم أو نادر.
وأضاف نص المالكية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية وإن كانت متجالة، وهي العجوز الفانية التي لا إرب للرجال فيها، آخذا بعموم الأدلة المثبتة للتحريم، وعمم الشافعية القول بتحريم لمس المرأة الأجنبية ولم يستثنوا العجوز، فدل ذلك على اعتبارهم التحريم في حق مصافحتها، وعدم التفرقة بينها وبين الشابة في ذلك.
وقال السحيباني: أرى أن الأحوط هو المنع من مصافحة المرأة العجوز حتى لو كانت مأمونة من الشهوة، وكذلك الرجل العجوز.
وأما مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية الشابة فقد اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الرواية المختارة، على تحريمها واستدل الفقهاء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية الشابة بحديث عائشة رضي الله عنها في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء وفيه قالت: ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام، قالت عائشة: والله ما اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا اخذ عليهن قد بايعتكن كلاما.
واستدلوا بما روي عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له». رواه الطبراني وغيره، وصحح إسناده جماعة، واستدلوا أيضا بالقياس على النظر إلى المرأة الأجنبية، فإنه حرام باتفاق الفقهاء إذا كان متعمدا وكان بغير سبب مشروع، ووجه القياس أن تحريم النظر لكونه سببا داعيا إلى الفتنة، واللمس الذي فيه المصافحة أعظم أثرا في النفس، وأكثر إثارة للشهوة من مجرد النظر بالعين. قال النووي: وقد قال أصحابنا كل من حرم النظر إليه حرم مسه، بل المس أشد؛ فإنه يحل النظر إلى أجنبية إذا أراد أن يتزوجها، ولا يجوز مسها.
أما مفتي موريتانيا الشيخ أحمد المرابط فقد قال: لا أعلم لمصافحة الرجل للمرأة الأجنبية مسيغا أبدا فلا يجوز لرجل أن يمس امرأة أجنبية عنه إلا للضرورة كالطبيب ونحوه أما الحالات الاختيارية فلا أعلم إلا حرمتها كتابا وسنة وإجماعا، مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء، إني لا أصافح النساء) وقال ليس هناك استثناء في المسألة فهذه أمور شرعية لا تعلل بالعلل ولو أن الشرع قال بذلك كان ذلك لا بأس فيه لكن ما دام المنع هكذا فيبقى الحكم على حاله وهو التحريم على الإطلاق.
الحكم واضح
أما أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة أم القرى الدكتور شعبان محمد اسماعيل فقال: إن الحكم الشرعي واضح فأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الواردة في تحريم هذه المسألة كثيرة جدا ولا يتسع المقام لذكرها وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا وقال في حديث طويل في البيعة حينما كن يبايعنه من خلف حاجز: (إني لا أصافح النساء) وقد كان من العلماء من يقول: إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لكن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة تدل على العموم فقد قال الله تعالى(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ومن الأسوة والاتباع أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في كل أمر يشمله ويشمل غيره، إضافة إلى ذلك أن مصافحة الأجنبية فيها مدعاة إلى الفتنة والقاعدة العامة التي تشمل هذه القضية وغيرها ما صح عنه صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فالأولى للإنسان أن يبتعد عن الأمور التي فيها شبهة أو اختلاف، ويؤيد هذا أيضا أنه ورد في القرآن الكريم ورد أن من مبطلات الوضوء لمس المرأة الأجنبية فقال في معرض ذكره لنواقض الوضوء (أو لامستم النساء) فلو كان هذا مباحا لما أمر بالوضوء لمجرد الملامسة فالقضية بهذه الصورة خاصة في العصر الذي كثرت فيه الفتن والمغريات وظهور النساء بصورة غير لائقة يكون ذلك اشد فالمرأة في العصور المفضلة كانت تظهر بالحشمة والوقار ولا تتبذل كما تتبذل المرأة هذه الأيام، ومن ذلك ما يحدث في بعض الاجتماعات الآن من مصافحة الرجل لمرأة لا تحل له مما لا يتفق مع مكانة المرأة والورع الذي يجب أن يتصف به المسلم فينبغي للمسلم أن يتورع عن هذه الأمور التي تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. ولم يثبت عن واحد من الصحابة أن صافح النساء مما يعني أن هذا الحكم مجمع عليه ولو بحثنا في تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم لم يثبت أن أحدهم كان يصافح النساء وأما في حال الضرورة فلا بأس بأن تلبس المرأة القفازات كأن تكون امرأة مريضة تحتاج إلى من ياخذ بيدها أو عجوز تحتاج إلى المساعدة.
مصافحة المرأة الأجنبية تفتح أبواب الريبة
28 يونيو 2009 - 01:31
|
آخر تحديث 28 يونيو 2009 - 01:31
مصافحة المرأة الأجنبية تفتح أبواب الريبة
تابع قناة عكاظ على الواتساب
نعيم الحكيم،عبد الله الداني ـ جدة