كانت الارهاصات الاولى لفن الغناء العربي في الدولة الاموية ثم برز في الدولة العباسية وتطور مع الموشحات القادمة من اليمن الى العراق عبر الحجاز حيث ازدهار فن الغناء في مكة المكرمة والمدينة المنورة وقتها ثم اكتمال صورة الموشح في الدولة الاموية الثانية في الاندلس مع أشعار ابن زيدون وملهمته ولادة كذلك اشعار ابن زريق النعدادي صاحب استودع الله في بغداد لي قمرا.. في المزح من قلل الازرار مطلعه.
ثم كان الركود في عصور اخرى تالية بعد التأثر الواضح في الغناء العربي بالموسيقى والغناء الفارسي والتركي ثم جاءت بعد ذلك نهضته المعاصرة والمتوغلة بهدف تشكيل الوجدان العربي من خلال الاغراق في الرومانسية والعاطفة وتركيز معظم اطروحات وموضوعات الغناء العربي حول الهجر والصد والدموع والرحيل والبكاء على الاطلال والذكريات والتمني والسهر والشوق الى آخره من معاني التوجد والحب العذري وغير العذري احيانا والذي يصبغ او يؤكد الطابع العام للثقافة والاخلاق العربية ويرسم بعض مناحي التقاليد والعادات لكل دخيل ومرحلة بشكل غير مباشر نظرا لتحديد العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة في نطاق بيت الزوجية في ديننا والعادات والتقاليد على عكس المجتمعات الاخرى. وكلنا يعلم سرية العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة في نطاق الزوجية بعد تجربة الحب السرية او الاعجاب والتي تحتاج الى الكثير من حذر تفرضه عادات وتقاليد المجتمع واحاطة تلك العلاقة بسياج استطاعت التعبير عنه او كسره بعض الاغنيات المعاصرة في الاغنية الحديثة لدينا وعلى وجه الخصوص في النصف الاول من ثمانينيات القرن الماضي ودليل ذلك اغنيات شهيرة منها اغنية محمد عبده وعدنان خوج والراحل فائق عبدالجليل (المعازيم) في الكوبليه الثالث والتي تقول كلماته:
يا عيون الكون غضي النظر
اتركينا اثنين عين تحكي لعين
اتركينا الشوق ما خلى حذر
بلا خوف بنلتقي بلا حيرة بنلتقي
نلتقي في عيونها وعيونها احلى وطن
وكل الامان
كل ابتسامة مهاجرة جات رجعت لشفتي
كل الدروب الضائعة مني تنادي خطوتي
من نص الكوبليه يتضح دعوة الكاتب الى التحرر من العلاقة الودية بين الطرفين لكن الى اي حدود لم يكن قد اوضح الا اللقاء بالعيون.
سبق تلك الاغنية تجربة تحرر غنائي اخرى لعبدالمجيد عبدالله وطاهر حسين (مياسة القامة) والتي كانت باعتبار دعوة للاباحية من وجهة نظر البعض عندما طرحت في بداية الثمانينات..
في الكوبليه الذي يقول:
اهلاً بمن زارت ولا همها شيء
من شوقها طارت على صهوة الريح
ساعة سجى طرف الدجى وانتشى الضي..
مياسة القامة طوت خوفها طي
وانا طوتني موجبات التباريح
ومع نهضة الاغنية العربية في العصر الحديث وخلوها من التأثير بالموسيقى والثقافات الاخرى بالشكل كبير التأثير ما زالت تحتفظ اغنيتنا بشكل عام (اذا ما استثنينا بعض غناء الفيديو كليب) بعادات وتقاليد محافظة من اهمها العلاقة الخاصة بين الجنسين وكذلك في اطار التعامل الرومانسي في نفس الاتجاه مع النهضة التعليمية والتحريرية والحضارية العربية وتطور العلاقات الاجتماعية التي أدت بدورها الى تغيير الاطروحات الغنائية وموضوعات الاغنية.. ففي بداية القرن كانت هناك اغنيات تعبر عن روح عصرها في التعامل مع العادات والتقاليد السائدة يومها دليل ذلك اغنية سيد درويش:
زوروني كل سنة مرة... حرام تنسوني بالمرة
اغنية: يا ناس انا اموت في حبه... (وجم الملايكة) يحاسبوني حدش كده شاف
واغنيته عن عدم حبه للخيانة والتي تقول:
خفيف الروح بيتعاجب... برمش العين والحاجب
غمزلي مرة بعيونه... حرام ان كنت انا اخونه
خفيف الروح... وعشقه نوع من الواجب
وعن الخيانة وان ظهرت كبينة فإن المحب يحولها الى (شك) وها كامل الشناوي يصدح بصوت عبدالحليم حافظ بعد ان شك او شاهدها وهي حبيبة لغيره:
حبيبها لست وحدك حبيبها
حبيبها انا مثلك وربما كنت قبلك
ولم تزل تلقاني وتستبيح خداعي
بلهفة في اللقاء ورجفة في الوداع
اما من ناحية الغناء النسائي فلم يكن هناك ما يسمى الشك النسائي حيث ان سلطة الرجل الذكورية تظهر مبادئ شك او غيره فأم كلثوم حين تغيب عنها حبيبها تقول:
ياللي عمرك ما خلفت ميعاد في عمرك
الليلة دي ليه حيرني امرك
وحين تصل لقمة الشك تقول:
يقول الناس انك خنت عهدي..
ولم تحفظ هوايا ولم تصني
وتلك منايا اجمعها.. مشت بها
إليك خطى الشباب المطمئن
أكذب فيك كل الناس سمعي
ولكني شقيت بحسن ظني
وفي العصر الحديث تغني لطيفة:
عندك شك في ايه.. مش مطمن ليه
عرش القلب ملكته.. وتربعت عليه
بتغير ليه ومن ايه.. عندك شك في ايه
وقريبا اعلنت شيرين انها لا تتحمل حبيبها وهذا تعبير عن المرأة الحديثة التي لم تعد تحتمل مثل زمان والآن الامور متساوية مع الرجل حتى في زحام الحب واتخاذ القرار.. فهي تقول: انا.. انا عايزة اقولك
اسمع.. انا صبري قليل
ياللي حبك انت مسهرني
مصبرني.. موريني الويل
اما في منطقة الخليج فنظراً لطبيعة العلاقات الاجتماعية فإن حكاية الشك والخيانة لم تكن تظهر على السطح لأن المحب يغفر لمحبوبه ولا يعرف متى يشك فيه لانه لا يراه كثيرا وان بدت من المحبوب بادرة شك فإن المحب مستعد للعفو والصفح.. ففي اغنية مقادير للفنان طلال مداح يقول:
مقادير يا قلبي العنا
مقادير وإيش ذنبي انا
مقادير وتمضي حياتي
مقادير واتمنى الهنا
يا اصل الهوى كيف المحبة تهون
كيف الهوى يقدر يقسى العيون
فهو هنا اقسى ما قاله ان الهوى هان وعيون المحبوب قست ولم يستطع النطق بالشك والخيانة.
اما في عهد الفضائيات وخروج النساء للتعليم والعمل والشراء والتنزهات فإن الامور تغيرت ومعاني الحب ايضا تغيرت ومنها الافعال وردود الافعال في الحب.. فلم يعد الرجل هو صاحب القرار الاول والاخير في تلك العلاقة.. فالمرأة لها دورها الايجابي ايضا بعد خروجها الى الشارع وتفاعلها مع الرجل وجها لوجه وصارت الامور العاطفية اكثر صراحة. فإن المرأة بدأت تأخذ الامور بيدها ومنها انها تستطع ان تنهي اي علاقة بيدها ومن هنا فإن الرجل في كثير من الامور قد يتهمها بالشك والخيانة.. ولعل اشهر اغنية خليجية عبرت عن هذا المعنى من خلال فيديو كليب كرّس هذا المعنى هو اغنية «الخيانة» للفنان عبدالله الرويشد والتي يقول فيها:
انا مو ولهان انا.. انا دنيا من الوله راحتها ايديك
انا مو تعبان انا.. انا دنيا من التعب
محتاجك ابيك
ولا انا ناقص حب ثاني انجرح منه واعاني
الله يرضى لي عليك
بلا سبب تزعل.. وتجرح بالكلام
تقلب الدنيا على راسي وتروح
واذا كان هذا في مجتمع كالكويت خرجت فيه النساء مبكرا للشارع فإن المفاجأة الكبرى كانت في خروج فنان العرب محمد عبده ليتحدث عن الخيانة بلون جديد يناسب المجتمع الخليجي وكبرياء الرجل.
ومن خلال علاقة حب خاصة هي (حب الكبار) وليس حب الشباب الذي يتعارك فيه الاحبة بسبب وبدون سبب.. ولكن الخيانة هنا جاءت بعد قصة حب كبيرة.. ولكن المرأة بعد طول تلك المحبة استطاعت الخيانة وكانت هنا المفاجأة.. فالرجل مصدوم..
وكانت جرأة كبيرة من فنان العرب ان يطرح مثل هذا الموضوع الجديدة في طرحه بالنسبة للاغنية السعودية وان تظهر فيها كلمة الخيانة واضحة لا لبس فيها وان يعترف الرجل بأن المرأة خائنة. فهذا ليس سهلا في المجتمع الخليجي.. وهذا هو التجديد الكبير عند الفنان محمد عبده.. الذي يقول في اغنيته (علمتها):
علمتها.. كيف الهوى لازم يكون
علمتها.. ايش لون تقدر تبتدي تحب
علمتها.. ايش لون اهواها بجنون
علمتها.. عن كل شي
وايش لون روعتها بيدي
علمتها.. بكل الفنون
ونزعت جدار الخوف عنها والظنون
علمتها.. وما علمتني هي.. انها تعرف تخون..
وبهذا فإن الاغنية الخليجية ستتطرق لمواضيع جديدة تناسب ما طرأ على العصر من افكار وتغيرا ومن ذلك العلاقات الاجتماعية.
وعن كيفية او امكانية استخدام كلمة خيانة او معناها في الاغنية الحديثة في الخليج يقول شاعر الاغنية سعود سالم: لما لا؟! فالخيانة احدى صور التعامل الاجتماعي غير المحمودة في كل المجتمعات وهل جاء مجتمعنا من عالم آخر. فالخيانة حالة سلبية كما الوفاء حالة ايجابية والشاعر مطلوب منه تصوير كل الحالات وكل الاحتمالات او التخيلات او مطلوب منه ترجمة بعض هذه الحالات او كلها.
اما الشاعر محمد بن حسين الذي برز نجمه خلال السنوات الاخيرة فيقول:
اساتذتنا الكبار في كتابة الاغنية سبقوها في تصوير هذه الحال حيث تحدثوا كثيرا حول الخيانة بشكل مباشر كما هو الحال في اغنية المطرب الكويتي الراحل غريد الشاطئ:
حسبت انك تصونين الامانة..
تعرفين الوفا مثلاني انا
وأتاري الطيب ما ينفع مع اللي
مع اللي هجرنا وما عرفت قيمة هوانا
كذلك في نص شاعرنا الكبير الخفاجي في اغنية لمحمد عبده يقول فيها:
لا تجاملني بآسف
خللي آسف للجديد
ياما سطرت المعاني
ياما غلبت البريد
فيما يعتبرها البعض خرقاً والبعض الآخر تطورا
الخيانة طرح جديد في الاغنية الخليجية.. يقوده محمد عبده
27 يونيو 2006 - 19:56
|
آخر تحديث 27 يونيو 2006 - 19:56
تابع قناة عكاظ على الواتساب
علي فقندش، محمد القرعي (جدة)