أريد الحل لمشكلتي التي ربما جاءت متأخرة، لكنها تضايقني وتقض مضجعي، ومتأخرة كوني أبلغ من العمر 24 عاما، وأنا ولله الحمد عاقلة وبالغة قبل أواني، عنوان رسالتي سيوضح ملامح مشكلتي وهو «أريد أن أعتذر»، لدي أم رائعة وأكثر من رائعة، تعطي بلا حساب، صبورة من بيت دين وعلم، وربيت على هذا الأساس، أهم شيء فيها أنها محترمة ولا تعرف الألفاظ البذيئة مكانا لها في بيتنا، تعلمنا أن نتعاون داخل المنزل دون انتظار الرد من أحد، لأننا نعتبر ما نؤديه واجبا، قبل وفاة والدي لم تكن هناك مشاكل لأنه حازم وعادل، وبعد وفاته ظهرت المشاكل بكثرة، المهم صارت تحدث احتكاكات بيني وبين أمي وربما أغضبها، وأغلط في حقها كثيرا لدرجة شعوري كأني لست في وعيي بالرغم من سعة بالي، وبعد انتهاء المشكلة أندم ندما شديدا، فلا آكل ولا أشرب، وتمر ساعات على المشكلة، فإذا أمي تناديني، لتسأل لماذا لم آكل أو أشرب القهوة معهم، فأنسى أنني جرحتها، وكأن شيئا لم يكن وهي تسامحني ولكن ليس بالقول وإنما بالفعل، وهكذا دائما، أما الآن مع كبر سنها فأصبحت تتحسس من كل شيء، وهي مريضة بالسكر، وإخواني خيبوا ظنها، فأصبحت تتضايق من أتفه الأمور وهذا الشيء نقدره ونهتم به، ونراعيه فيها، لكن المشكلة هي أنها حين صارت حساسة جدا، وصارت تغضب منا باليومين والثلاثة ولا تكلمنا، وهذا بطبيعة الحال يوجب اعتذارنا منها، ومشكلتي أنني لا أعرف الاعتذار لأني أستحي بشدة منها، فأرتبك، ولقد حصلت عدة مواقف قررت فيها الاعتذار، ولكن يمر دون أن يحدث شيء، فدلني على طريقة أعتذر منها، والأمر الآخر ما هو في نظرك سبب هذا كله؟ ولماذا أستحي منها بالرغم من وجود لغة تواصل ممتازة بيننا؟
ابنتك: ع
يهون علينا جميعاً فعل الخطأ وارتكابه مع من نعتقد أنهم يسامحوننا أكثر من غيرهم، في حين أننا نكون حذرين جدا ممن لدينا يقين أنهم لن يسامحونا، ولكي تتأكدي من صحة هذه القاعدة لاحظي نفسك وأنت تتعاملين مع الغرباء في محل تجاري أو في مسجد، ستجدي أنك حتى لو صدمت دون قصد بأي سيدة في تلك الأماكن فأنت تسارعين للابتسام والاعتذار منها، والسبب أنك لست متأكدة من أنها سوف تسامحك فتبادرين إلى الاعتذار منها رغبة منك في إبقاء العلاقة طيبة معها ولكي تضمني أنها سامحتك وأن صورتك بقيت جيدة في نظرها، أما أمك التي اعتدت على أن تسامحك على كل شيء، فأنت لا زلت تحرصين على استمرار هذا السلوك سواء كنت واعية لذلك أم غير واعية، أمك سيدة كما قلت متسامحة جدا، وهي التي ساهمت بدون قصد في تدليلك وجعلك لا تشعرين بالخطأ معها وتركت في نفسك انطباعا وكأنك أنت من ينبغي إرضاؤه وليس العكس، وذلك من خلال ملاحقتها لك وسؤالها لك لماذا لم تأكلي أو تشربي أو تجلسي معها، كنت في تلك الأثناء تشعرين بوجودك وتقديرك لذاتك من خلال تقدير والدتك لك ومتابعتها لك، وحرصها على أن تكوني مرتاحة، فأصبح موضوع الاعتذار عندك يمثل صعوبة ويعطيك انطباعا أنك لو اعتذرت فإن اعتذارك يعني أنك مخطئة، ومن غير المستبعد أن يكون الاعتذار بالنسبة لك فرصة تشعرك بخطئك الذي لم تعتادي على الاعتراف به، كبرت على هذا الأساس، وقد ارتبط ارتكابك للخطأ بعدم الوقوف عنده، وصرت تخشين مواجهة الخطأ على المستوى الانفعالي، مع أنك ناضجة وتعرفين التمييز بين الخطأ والصواب بدليل أنك تعرفين حين تخطئين أنك أخطأت وتجدين في نفسك الرغبة في الاعتذار من أمك، حل المسألة ليس صعبا، فنصيحتي لك أن تبدئي ولفترة وجيزة بالاعتذار المكتوب لأنه سيخفف عنك المواجهة مع أمك، ثم تنتقلين بعد ذلك للاعتذار بالكلام وتقبيل اليد والرأس، أما لماذا صارت حساسة جدا لأخطائكم فأعتقد أن تفسير ذلك ليس صعبا، إنها أم أفنت حياتها من أجلكم، وتعاملت معكم برحمة هائلة، وهي تتوقع أن تعاملوها بالطريقة ذاتها التي عاملتكم بها،كما أنها تتوقع منكم أن تكونوا مترابطين متآزرين متحابين، وحين ترى بينكم الخلاف يخيب ظنها بكم، وفي الوقت نفسه وصلت حاليا إلى درجة كبيرة من الضعف بسبب مرضها، وغاب أبوكم عن ساحة حياتها وهو الرجل ـ على ما يبدو ـ الذي كان يؤنس وحشتها ويقدر عطاءها، وأنتم بالمقابل نمت لديكم بكل أسف صفة الأنانية ولم تدركوا حجم عطاء هذه الأم، والحل أن تتذكروا ما قدمته لكم وأي درجة من الرحمة ربتكم بها، وينبغي أيضا أن تتذكروا أن اليوم قد حان لرد بعض من فضلها عليكم وهو فضل لا يقدر بحجم.
أخبار ذات صلة
